باب الاجتماع على الطعام1
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، وداود بن رشيد، ومحمد بن الصباح، قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب، عن أبيه
عن جده وحشي، أنهم قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلكم تأكلون متفرقين؟ " قالوا: نعم. قال: "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يبارك لكم فيه" (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُربِّي أصحابَه على التَّحابُبِ والتَّآلُفِ والاجتماعِ وحِفْظِ النِّعَمِ، وطلَبِ البرَكةِ في المعيشةِ بالْتِماسِ أسبابِها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ وَحْشيُّ بنُ حربٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قالوا: "يا رسولَ اللهِ، إنَّا نأكُلُ"، أي: نَأكُلُ كثيرًا، أو نَشْكو قِلَّةَ الطَّعامِ، "ولا نَشبَعُ"، أي: ولا يتَحقَّقُ لنا الشِّبَعُ، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فلَعلَّكم تأكُلون مُتفرِّقين؟"، أي: تتَفرَّقون عندَ الأكلِ بأنَّ كلَّ واحدٍ مِن أهلِ البيتِ يَأكُلُ وحْدَه، وفيه أنَّهم يُجزِّئون الطَّعامَ على بَعضِهم، "قالوا: نعَم، قال: فاجتَمِعوا على طعامِكم"، أي: وكُلوه جَميعًا غيرَ مُتفرِّقين، "واذكُروا اسْمَ اللهِ عليه، يُبارَكْ لكُم فيه" وبذِكْرِ اسْمِ اللهِ على الطَّعامِ فيه طلَبٌ لِمَزيدٍ مِن البرَكةِ الَّتي تُؤدِّي إلى الشِّبَعِ والرِّضا.
وأمَّا قولُه تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61]، فمَحْمولٌ على الرُّخصَةِ أو دَفْعًا للحرَجِ على الشَّخصِ إذا كان وحْدَه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الْتِماسِ أسبابِ البرَكةِ في الطَّعامِ، ومنها الاجتِماعُ عليه.
وفيه: تربيةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه وأمَّتِه على التَّآلُفِ والمَحبَّةِ والاجتِماعِ وعدَمِ التَّفرُّقِ.