باب الحكمة
سنن ابن ماجه
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري، حدثنا صفوان بن عيسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه
قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (1)
نِعَمُ اللهِ عزَّ وجلَّ على عِبادِه كثيرةٌ لا تُحصَى، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، فلا أحَدَ يُطيقُ إحصاءَ عَدَدِها، فضلًا عن القِيامِ بشُكرِها، ولكنَّ اللهَ تعالَى يَتجاوزُ عن عِبادِه تَقصيرَهم في شُكرِ نِعَمِه، وهو رَحيمٌ بهم، لا يَقطَعُ عنهم إحسانَه، ولا يُعذِّبُهم بسبَبِ تَقصيرِهم، فيَرضى مِن عِبادِه الشُّكرَ القَليلَ، ويُجازيهم عليه الثَّوابَ الكثيرَ.
وفي هذا الحديثِ يخبرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنِعمتَينِ عَظيمتَينِ جَليلتَينِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِن النَّاسِ، فلا يَعرِفون قَدْرَهما ولا ينتَفِعون بهما في حَياتِهم الدُّنيويَّةِ والأُخرويَّةِ، وهما: صِحَّةُ البدَنِ والنَّفْسِ وقُوَّتُهما، والفراغُ، وهو خُلُوُّ الإنسانِ مِن مَشاغلِ العيْشِ وهُمومِ الحياةِ، وتَوفُّرُ الأمنِ والاطمئنانِ النَّفْسيِّ، فهما نِعمتانِ عَظيمتانِ، لا يُقدِّرُهما كَثيرٌ مِن النَّاسِ حَقَّ قَدْرِهما.
وفي هذا الحَديثِ إشارةٌ إلى أنَّ الإنسانَ لا يَتفَرَّغُ لِلطَّاعةِ إلَّا إذا كان مَكْفيًّا، صَحيحَ البَدَنِ؛ فقدْ يَكونُ مُستَغنيًا ولا يَكونُ صَحيحًا، وقدْ يَكونُ صَحيحًا ولا يَكونُ مُستَغنيًا، فلا يَكونُ مُتفَرِّغًا لِلعِلمِ والعَمَلِ؛ لِشُغُلِه بالكَسبِ، فمَن حَصَلَ له الأمرانِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ، وكَسِلَ عنِ الطَّاعاتِ؛ فهو المَغبونُ الخاسِرُ في تِجارَتِه!
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في استغلالِ النِّعمِ مِن صِحَّةٍ وفراغٍ وغيْرِهما، والاستفادةُ منهما فيما يُرضي اللهَ سُبحانَه وتعالَى.