باب الاستئذان فى العورات الثلاث
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز - يعنى ابن محمد - عن عمرو بن أبى عمرو عن عكرمة أن نفرا من أهل العراق قالوا يا ابن عباس كيف ترى فى هذه الآية التى أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم) قرأ القعنبى إلى (عليم حكيم) قال ابن عباس إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان فى تلك العورات فجاءهم الله بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد. قال أبو داود حديث عبيد الله وعطاء يفسد هذا.
لقد نظم الإسلام حياة الإنسان؛ فهو دين الأخلاق والآداب، ومن هذه الآداب الاستئذان عند دخول البيوت، وهو من الآداب المهمة في الإسلام؛ وذلك للتحرز من الاطلاع على العورات وما لا ينبغي رؤيته، مع حفظ هيئات الناس وللتعريف بالداخل، ومنح الإذن بالدخول أو عدمه
وفي هذا الحديث يحكي عكرمة: "أن نفرا"، أي: جماعة من الناس، "من أهل العراق جاؤوا إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس يسألونه عن آية من كتاب الله عز وجل، فقالوا: "كيف ترى"، أي: ما رأيك؟ "في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا؟"، أي: أمرنا الله فيها بأمر، "ولا يعمل بها أحد"، أي: ولا يطبق أحد أمر الله الذي أمر في هذه الآية؛ وهذه الآية هي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم}، أي: عبيدكم وإماؤكم، {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} [النور: 58]، أي: الصغار من الأطفال الذين لم يبلغوا مبلغ النضوج والفهم والإدراك
وهذا الأمر بالاستئذان إذا أمر الله به الأطفال- الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا جرت عليهم الأقلام- يدل على أنه أوجب على غيرهم من الكبار أن يستأذنوا، {ثلاث مرات}، أي: في ثلاثة أوقات، وهذه الأوقات هي: {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة}، أي: وقت القيلولة، {ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} [النور: 58]، أي: ثلاثة أوقات لكم، تتخففون فيها من ثيابكم، ولا يدخل عليكم فيها أحد، فيكشف عوراتكم، والعورة هي ما لا يستحب كشفه من الإنسان، {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن}، أي: ليس عليكم ولا على أحد حرج بعد هذه الأوقات في دخول بعضكم على بعض بدون استئذان في غير هذه الأوقات، {طوافون عليكم} [النور: 58]، أي: يطوف عليكم خدمكم ويدخلون مرارا بدون استئذان في غير هذه الأوقات؛ فهم خدمكم ومواليكم
فأوضح لهم ابن عباس رضي الله عنهما كيف أن الناس لم يطبقوا هذه الآية؛ وذلك أن الناس كانوا في أول الأمر وليس في البيوت ستور؛ فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فطلب منهم الاستئذان فاستأذنوا، وبعد ذلك جاءهم الله بالغنى والخير، وكثرت الستور، فلم يعمل بذلك أحد بعد؛ وذلك لأن كثيرا من الناس كان يظن أنه لا يحتاج إلى الإذن؛ لأن هناك ستورا لا يتجاوزها الداخلون، فلا يقعون على شيء من العورات، فظنوا أنه لا حاجة إلى الإذن؛ لندرة الاطلاع على العورات، بخلاف أول الأمر فقد كان الناس فقراء، وليس في البيوت ستور أو أبواب؛ لذلك كان الناس يؤمرون به، وهذا فهم غير صحيح؛ لأن الاستئذان مطلوب على كل حال
وفي الحديث: الأمر بالاستئذان عند الدخول على البيوت، وخاصة في أوقات الحرج وعند التخفف من الثياب
وفيه: سؤال أهل العلم، ورجوع الناس إلى ابن عباس رضي الله عنهما وسؤاله؛ لسعة علمه