باب الاستخلاف 4
بطاقات دعوية
عن أبي بكر رضي الله عنه قال لوفد بزاخة: تتبعون أذناب الإبل، حتى يري الله خليفة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين أمرا يغدونكم به.
حَفِظَ اللهُ عزَّ وجلَّ الإسلامَ بعدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وما وَفَّقَه إليه من أفعالٍ وحَزمٍ في مُحارَبةِ مانِعي الزَّكاةِ والمُرتدِّينَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ طارِقُ بنُ شِهابٍ أنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه قالَ «لِوَفْدِ بُزاخَةَ»، وهُم من بَعضِ القَبائلِ، كغَطَفانَ وأسدٍ، و«بُزاخَةُ» مَكانٌ بالبَحرَينِ أو مَوضِعُ ماءٍ لغَطَفانَ وأسَدٍ، وكانوا قدِ ارتَدُّوا واتَّبَعوا طُليحةَ بنَ خُويلِدٍ الأسديَّ، وكانَ ادَّعى النُّبوَّةَ بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقاتَلَهم خالدُ بنُ الوَليدِ بعدَ فراغِه من مُسيلِمةَ الكذَّابِ، فلمَّا غَلَبَ عليهم تابُوا ثُمَّ رجَعوا إلى الإسلامِ، وبَعَثوا وفْدَهم إلى أبي بكرٍ يَعتذِرُون، فأحبَّ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه ألَّا يَقضيَ فيهم إلَّا بعدَ المُشاوَرةِ في أمرِهم، فقالَ لهم أبو بَكرٍ: «تَتْبَعونَ أذْنابَ الإبِلِ»، أي: حَكَمَ علَيهِم أن يكُونوا في الصَّحاري معَ إبِلِهم، «حتى يُرِيَ اللهُ خَليفةَ نَبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمهاجِرينَ أمْرًا يَعذِرُونَكُمْ بِهِ»، يعني: حتَّى يَحكُموا فيهم بِحُكمٍ رَشيدٍ جَزاءً على فِعلَتِكم تلكَ.
وعندَ الحُميديِّ في الجَمْعِ بين الصَّحيحَينِ بلَفظِ: «فخيَّرَهم بيْن الحَربِ المُجلِيةِ والسِّلمِ المُخزِيةِ»، وهو أن يَنزِعَ عنهم سِلاحَهم إن رَضُوا بالسِّلمِ، وفائدةُ نَزعِ السِّلاحِ وعُدَّةِ الحَربِ منهم ألَّا تَبقى لهُم شَوكةٌ؛ ليأمَنَ النَّاسُ من جِهتِهم، ثُمَّ إنَّهم بعد ذلك يَتبَعون أذنابَ الإبلِ في رِعايتِها؛ لأنَّهم إذا نُزِعت منهم آلةُ الحَربِ رَجَعوا عَرايا في الصَّحاري، لا عيشَ لهم إلَّا ما يَعودُ عليهم من مَنافعِ إبلِهم.
وفي الحديثِ: أنَّ المُرتدَّ عنِ الإسلامِ إذا رجَعَ إلى الإسلامِ لا يُقتَلُ، وإنَّما يُنظَرُ في صِحَّةِ إسلامِه.
وفيه: التَّشاورُ بينَ أهلِ الحَلِّ والعَقدِ في المُلِمَّاتِ والمُهِمَّاتِ.