باب الاستطابة
بطاقات دعوية
حديث عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمر لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم آداب قضاء الحاجة من الأقوال والأفعال، وبين في سنته ما ينبغي فعله وما لا ينبغي
وفي هذا الحديث يخبر التابعي واسع بن حبان أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: إن ناسا يقولون: إذا قعدت على حاجتك -وهذا كناية عن قضاء الحاجة، وذكر القعود لكونه الغالب، وإلا فلا فرق بينه وبين حالة القيام- فلا تستقبل الكعبة المشرفة التي هي القبلة، ولا بيت المقدس، والمراد به المسجد الأقصى، وخص بيت المقدس؛ لأنه كان القبلة الأولى للمسلمين، وأراد بالناس من كانوا يقولون بعموم النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الحاجة في الصحراء والبنيان، وهم أمثال أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة، ومعقل الأسدي، وغيرهم، رضي الله تعالى عنهم.ثم روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه صعد يوما على ظهر بيت، وفي رواية الصحيحين: «على ظهر بيت حفصة» أخته وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، كما صرح به في رواية مسلم، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على لبنتين، واللبنة قالب يكون مستطيلا أو مربعا مصنوعا من الطين، ويستخدم في البناء، مستقبلا بيت المقدس وقت قضاء حاجته، وفي رواية للبخاري «مستقبل الشام مستدبر الكعبة»، فنظر منه ظاهر جسده، لا على ما لا يجوز النظر إليه، كالعورة ونحوها، فلم ير إلا أعلاه، وما يبرز من النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: لم يقصد ابن عمر النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة، وإنما صعد السطح لضرورة، كما في رواية عند البخاري: «ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي»، فحانت منه التفاتة، كما في رواية للبيهقي، ولما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد أحب ألا يخلي ذلك من فائدة، فحفظ هذا الحكم الشرعي؛ فبين حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه لا يوجد حرج أو محظور شرعي في قضاء الحاجة في كنف قد بنيت باتجاه القبلة استقبالا أو استدبارا، وأن حكم النهي يخص من كان يقضي حاجته في أماكن يستطيع أن يميل فيها عن جهة القبلة في الصحراء والفضاء ونحو ذلك.ثم قال ابن عمر رضي الله عنهما لواسع بن حبان: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم؟ أي: من الجاهلين بالسنة في السجود من تجافي البطن عن الوركين فيه؛ وقد فسرها الراوي في الحديث بقوله: «يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض، يسجد وهو لاصق بالأرض»، وهذا على وجه التحذير له من الصلاة عليها، والعيب على من يفعل ذلك، ويقصد أيضا: لو كنت ممن لا يجهلها لعرفت الفرق بين الفضاء وغيره، والفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس
وفي الحديث: دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم يختلفون في معاني السنن، وأن كل واحد منهم يستعمل ما سمع على عمومه
وفيه: تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كلها، ونقلها، وأنها كلها أحكام شرعية