باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقول الله تعالى: (واجعلنا للمتقين إماما) 5
بطاقات دعوية
عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوما، فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء [النجاء 7/ 186]، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق".
أرسَلَ اللهُ سُبحانَه الرُّسُلَ مُبشِّرينَ ومُنذِرينَ، فمَن تَبِعَهم فازَ ونَجَا في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن خالَفَهم وابتعَدَ عن دَعوتِهم خَسِرَ وخابَ عِندَ اللهِ يومَ القيامةِ.
وفي هذا الحديثِ ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثلًا لحالِه في دعوتِه ورسالتِه وطاعةِ النَّاسِ لدَعوتِه، ولِمَا بَعَثَه اللهُ به وأرسَلَه، «كَمَثَلِ رجُلٍ أتَى قومًا» ليُحذِّرَهم، فقالَ: «يا قَوْمِ، إنِّي رأَيْتُ الجيشَ بعَيْنَيَّ» لِعَدُوٍّ لهُم يَعرِفونَه، «وإنِّي أنا النَّذِيرُ العُرْيَانُ»، وهو إشارةٌ لشِدَّةِ الخَطرِ؛ بحيثُ كأنَّه نَزَع ثيابَه ليُنذِرَهم بالإشارةِ بثيابِه، أو هو رجُلٌ جَرَّده العدوُّ فهَرَبَ منهم مُنذِرًا قومَه، فعَلِموا من تَعرِّيه صِدقَ خَبرِه؛ لأنَّهم كانوا يَعرفونه ولا يَتَّهمونه في النَّصيحةِ، ولا جَرَت عادتُه بالتَّعرِّي، فقَطَعوا بصِدقِه لهذه القَرائنِ، ثُمَّ صارَ مَثلًا لكلِّ ما يُخافُ مُفاجَأتُه، فضَرَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنَفسِه ولِما جاءَ به مَثلًا بذلك؛ لِما أبداه منَ الخوارِقِ والمُعجِزاتِ الدَّالَّةِ على القَطعِ بصِدقِه تَقريبًا لإفهامِ المُخاطَبينَ بما يألَفونه ويَعرِفونه.
ثُمَّ نَصَحَهم هذا النَّذيرُ أن يَطلُبوا النَّجاءَ والسَّلامةَ من خَطرِ هذا العدوِّ، فانقسَمَ النَّاسُ فَريقَينِ: ففَريقٌ أطاعَه فأدلَجُوا، والدُّلجةُ هي الظُّلمةُ، والمَعنى: سارُوا من فَورِهم في أوَّلِ اللَّيلِ، «فانطَلَقوا» مُبادِرينَ «على مَهَلِهم»، أي: بسَكينَةٍ وتَأنٍّ؛ لأنَّهم أخَذوا وقتَهم من أوَّلِه، «فنَجَوا» منَ العدوِّ، والطَّائفةُ الثَّانيةُ كَذَّبت فتَأخَّروا في الاستجابةِ لهذا النَّذيرِ، ولم يُحاوِلوا اختبارَ صِدقِه من كَذِبِه، فأتَى عليهمُ الصُّبحُ ولم يَسيرُوا من مكانِهم ولم يَبتَعدوا عنِ الخَطرِ، «فصَبَّحَهُمُ الجيشُ»، أي: هَجَمَ عليهم باكِرًا في الصَّباحِ، «فأهلَكَهم واجْتَاحَهم» أيِ: استَأصَلَهم.
وهكذا مَن أطاعَ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَجَا في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن تَرَكَ ما جاءَ به حَلَّت عليه العُقوبةُ في الدُّنيا والآخِرةِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الاعتصامِ بالحقِّ والإسلامِ للنَّجاةِ منَ النَّارِ.
وفيه: بيانُ فَضيلةٍ من فضائلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ إنَّه سببٌ لنَجاةِ أتباعِه منَ النَّارِ.
وفيه: ضربُ الأمثلةِ لتَقريبِ المَعاني إلى الأفهامِ، واستِخدامُها وسيلةً من وسائلِ التَّعليمِ.