باب التداوي للجراح بالكي
بطاقات دعوية
عن جابر - رضي الله عنه - قال رمي سعد بن معاذ في أكحله قال فحسمه (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده بمشقص (2) ثم ورمت فحسمه الثانية. (م 7/ 22
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حريصًا على أصحابِه وعلى كلِّ ما فيه صلاحُهم في الدِّينِ والدُّنيا، ومِن ذلك التَّداوي والعِلاجُ بأُمورٍ مِثلِ الكَيِّ وغيرِه.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كوى سعدَ بنَ مُعاذٍ"، أي: عالَجَه بالكَيِّ بالنَّارِ، "في أكْحَلِه مرَّتَينِ" والأكْحَلِ: هو العِرقُ الَّذي في نِهايةِ القدَمِ، وذلك لإيقافِ الدَّمِ، وفي روايةٍ أُخرى وضَّحَت ذلك: "رُمِيَ سعدُ بنُ مُعاذٍ في أكحَلِه، قال: فحسَمَه، أي: كَواهُ، "النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه بمِشْقَصٍ"، أي: بحديدةٍ حادَّةٍ، "ثمَّ ورِمَت، فحَسَمه الثَّانيةَ"، وكان سعدٌ رضِيَ اللهُ عنه قد أُصِيبَ بسَهمٍ يومَ الخندقِ في أكحَلِه فقطَعَه، وكان فيه موتُه.
وقد ورَدَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن العِلاجِ بالكيِّ، كما في حديثُ عِمرانَ بنِ حُصينٍ الَّذي عند أبي داودَ والتِّرمذيِّ وابنِ ماجه في النَّهيِ عن الكيِّ؛ وممَّا قيل في الجَمْع بين أحاديثِ المنْعِ والنَّهيِ عن الكيِّ وهذا الحديثِ: أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كوَى سعدَ بنَ مُعاذٍ؛ ليمنَعَ سَيلانَ الدَّمِ عن جُرحِه، وخاف عليه أنْ ينزِفَ فيهْلِكَ، والكيُّ يُسْتَعْمَلُ في هذا البابِ. وأمَّا حديثُ النهيِ فيَحتمِلُ: أنْ يكونَ ذلك من أجلِ أنَّهم كانوا يُعظِّمونَ أمْرَ الكيِّ، ويقولون: آخِرُ الدَّواءِ الكيُّ، ويَرَون أنَّه يحسِمُ الدَّاءَ ويُبرِئُه، فإذا لم يفعَلْ ذلك عطِبَ صاحبُه وهكذا، فنهاهم عن ذلك إذا كان العلاجُ على هذا الوجهِ، وأباح لهم استعمالَه على معنى التَّوكُّلِ على اللهِ سُبحانَه وطلَبِ الشِّفاءِ، والتَّرجِّي للبُرءِ بما يُحْدِثُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مِن صُنْعِه فيه، ويَجلِبُه من الشِّفاءِ على أثَرِه؛ فيكونُ الكَيُّ والدَّواءُ سببًا لا عِلَّةً. أو أنْ يكونَ نهيُه عن الكيِّ هو أنْ يفعَلَه المرءُ احترازًا من الدَّاءِ قبلَ وُقوعِ الضَّرورةِ ونُزولِ البَلِيَّةِ، وإنَّما أُبِيحَ العلاجُ والتَّداوي عند وُقوعِ الحاجةِ ودُعاءِ الضَّرورةِ إليه، كما كوى سَعدًا حين خاف عليه الهلاكَ من النَّزْفِ. ويَحْتمِلُ أنْ يكونَ إنَّما نهى عِمرانَ بنَ حُصَينٍ خاصَّةً عن الكيِّ لعِلَّةٍ بعَينِها؛ لعِلْمِه أنَّه لا ينجَحُ، وقد ورد عن عِمرانَ أنَّه قال: "فاكْتَوينا فما أفلَحْنا ولا أنجَحْنا"، وقد كان به الباصورُ.
ولعلَّه إنَّما نهاه عن استعمالِ الكيِّ في موضِعِه من البَدنِ؛ لأنَّ العلاجَ إذا كان فيه الخطرُ العظيمُ كان محظورًا، والكيُّ في بعضِ الأعضاءِ يعظُمُ خطَرُه، وليس كذلك في بعضِ الأعضاءِ؛ فلعلَّ النَّهيَ مُنصرِفٌ إلى النَّوعِ المخوفِ منه.