باب الترجيع في قراءة القرآن
بطاقات دعوية
معاوية بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه - يقول قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته قال معاوية لولا أني أخاف أن يجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته. (م 2/ 193)
جَمالُ الصَّوتِ في قِراءةِ القرآنِ ممَّا يُعينُ على الخُشوعِ والتَّدبُّرِ لدَى القارِئ والمُستمِعِ
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ مُغَفَّلٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه رَأى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ فَتحِ مكَّةَ في السَّنةِ الثَّامِنةِ منَ الهِجرةِ، وكانَ يَركَبُ على نَاقةٍ له وهو يَقرَأُ سُورةَ الفَتحِ كاملةً، أو أنَّه كانَ يَقرأُ بعضَ آياتٍ من سُورةِ الفَتحِ، فرَجَّعَ فيها، أي: رَدَّدَ صَوتَه بالقراءةِ في حلقِه، وجهَرَ به مُكرِّرًا بعدَ إخفائه
ثُمَّ قَرَأ التَّابعيُّ مُعَاويَةُ بنُ قُرَّةَ الرَّاوي عنِ ابنِ مُغفَّلٍ، فجَعَلَ يَحكي قِراءةَ ابنِ مُغَفَّلٍ بإشباعِ المدِّ في مَوضِعِه، وقالَ: «لَوْلا أنْ يَجتمِعَ النَّاسُ عليكم لَرجَّعتُ كما رَجَّعَ ابنُ مُغَفَّلٍ»، مُحاكيًا قراءةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويأتي بها على الوَجهِ الذي أتى به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تَعالَى عليه وسلَّمَ؛ وذلك أنَّ النَّاسَ قد يَجتمِعونَ إعجابًا بجَمالِ تلك التِّلاوةِ، فسَألَ شُعبةُ مُعاويةَ: فكيف كانَ تَرجيعُه؟ قالَ: «آ آ آ ثَلاثَ مرَّاتٍ»، وهو مَحمولٌ على الإشباعِ في مَحلِّه، ولا يكون ذلك من بابِ الزِّيادةِ في الحرفِ، بل هو مُغتفَرٌ للحاجةِ، والقِراءةُ بالتَّرجيعِ والألحانِ تَجمَعُ نُفوسَ النَّاسِ إلى الإصغاءِ والتَّفهُّمِ، ويَستميلها ذلك حتَّى لا تكادُ تَصبِرُ عن استماعِ المَشوبِ بلذَّةِ الحِكمةِ المَفهومةِ منه
وقيلَ في الحِكمةِ من تَرجيعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَحسينِ صَوتِه بالقُرآنِ في هذا المَوقِفِ: أنَّه أرادَ أن يُبالِغَ في تَزيينِ قراءتِه لسُورةِ الفَتحِ التي كانَ وعَدَه اللهُ فيها بفَتحِ مكَّةَ، فأنجَزَه له؛ ليَستميلَ قُلوبَ المُشرِكين، بفَهمِ ما يَتلوه من إنجازِ وَعدِ اللهِ له فيهم، بإلذاذِ أسماعِهم بحُسنِ الصَّوتِ المُرجَّعِ فيه بنَغمٍ مَضبوطٍ
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ التَّغنِّي بالقرآنِ مع المُحافَظةِ على أصواتِه وأحكامِه