باب الترك1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين" (2)
بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَواطِنَ كَثيرةٍ عَلاماتِ السَّاعةِ، والأهوالَ التي تَكونُ قبْلَ يَومِ القيامةِ؛ لِيأخُذَ المُسلِمونَ حِذْرَهم، ويُعِدُّوا لِلأمْرِ عُدَّتَه، ولِيَزدادوا يَقينًا وإيمانًا بصِدقِ نَبيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَلامةٍ مِنَ العَلاماتِ التي تَكونُ قبْلَ قيامِ الساعةِ؛ وهي أنَّ المُسلِمينَ سيُقاتِلونَ قَومًا نِعَالُهمُ الشَّعَرُ، يَعني أنَّهم يَصنَعونَ نِعالَهم مِنَ الشَّعَرِ، أو أنَّهُم يُطِيلُونَ شَعَرَهم حتَّى تَصيرَ أطرافُه عِندَ أرجُلِهم بمَوضِعِ النَّعلِ مِن طُولِه. ومِن صِفةِ هؤلاء أيضًا: أنَّ وُجُوهَهم كالمَجَانِّ المُطْرَقَةِ، والمَجانُّ هي التُّروسُ مِنَ الجِلدِ، التي تُستَخدَمُ في اتِّقاءِ ضَرَباتِ السَّيفِ في الحَربِ، والمُطرَقةُ: الغَليظةُ التي رُكِّبتْ طَبَقةً فَوقَ أُخرى، والمُرادُ: أنَّ وُجوهَهم غَليظةٌ مُستَديرةٌ كَثيرةُ اللَّحمِ. ومِن صِفَتِهم أنَّهم صِغَارُ الأعْيُنِ، وذُلْفُ الأُنوفِ، أي: في أُنوفِهم قِصَرٌ مع استِواءِ الأرنَبةِ وغِلَظِها.
ولَرُبَّما انطَبَقَتِ الأوصافُ على التَّتارِ والمَغولِ، الذين اجتاحوا العالَمَ الإسلاميَّ في مُنتَصَفِ القَرنِ السابِعِ الهِجريِّ؛ لِلأوصافِ الخِلْقيَّةِ الدَّقيقةِ التي وَصَفَهم بها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهُم قد حارَبوا أهلَ الإسلامِ وقَضَوْا على الأخضَرِ واليابِسِ في بُلدانٍ كَثيرةٍ، وأشاعوا الرُّعبَ والخَوفَ بيْنَ النَّاسِ، كأنَّهم يَأجوجُ ومأجوجُ، وقدْ دَخَل كثيرٌ منهم بعْدَ ذلك في الإسلامِ.
وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.