باب التشديد في البول 1

سنن ابن ماجه

باب التشديد في البول 1

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب
عن عبد الرحمن بن حسنة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده الدرقة، فوضعها، ثم جلس فبال إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ويحك، أما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم (1)، فعذب في قبره" (2).

علَّمنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ كَشْفَ العَورةِ يَقتَضي البُعدَ عَن النَّاسِ والتَّستُّرَ والتَّحرُّزَ، كما علَّمَنا أن نتَحرَّزَ من رَذاذِ البَولِ؛ حتَّى لا يُصيبَ الثَّوبَ أو الجسَدَ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَنةَ رضِيَ اللهُ عنه: "انطلَقْتُ أنا وعمرُو بنُ العاصِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخرَج ومعَه دَرَقةٌ، ثمَّ استَتَر بها، ثمَّ بال"، أي: إنَّه جلَس صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَبولَ، وستَر نفسَه بهذا الدَّرَقِ، والدَّرَقةُ هي: الدِّرعُ مِن الجلدِ، قال عبدُ الرَّحمنِ: فقُلنا: "انظُروا إليه، يَبولُ كما تَبولُ المرأةُ"، أي: يَجلِسُ على الأرضِ لِيَتبوَّلَ كما تَجلِسُ المرأةُ، ويَستتِرُ ويتَوارى عن الأعيُنِ بحاجزٍ كما تَفعَلُ المرأةُ، وقد قالوا ذلك استِغرابًا وتعَجُّبًا، أو استِفْسارًا عن هذا الفِعلِ الَّذي خالَف عادَتَهم الجاهليَّةَ في تَبوُّلِ الرِّجالِ قِيامًا، فسَمِع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قولَهم هذا؛ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ألَم تَعلَموا ما لَقِي صاحبُ بني إسرائيلَ؟"، أي: واحدٌ منهم، والمرادُ: ألَم تعلَموا ما أصابه مِن العذابِ والعِقابِ؟! "كانوا إذا أصابَهم البَولُ قطَعوا ما أصابَه البولُ مِنهم"، أي: كان مِن شَريعتِهم أن يتَحرَّزوا مِن البولِ، وكان مِن التَّشْديدِ عليهم أن يَقطَعوا مِن ثِيابِهم الجزءَ الَّذي أصابَه البولُ ولا ينتَفِعوا به، "فنهاهم"، أي: هذا الرَّجلُ الذي أشار إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذا الفِعلِ؛ "فعُذِّب في قَبرِه"، أي: فكان جَزاؤُه العذابَ في قبرِه، فحذَّرهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من إنكارِ الاحترازِ مِن البولِ؛ لئلَّا يُصيبَهم ما أصاب اليهوديَّ.
قيل: إنَّ المرادَ مِن قَطْعِ ما أصابهم مِن جِلدِهم هي الجلودُ التي كانوا يَلبَسونها، وقيل: بل هو جِلدُ جسَدِهم؛ لأنَّ هذا مِن الإصرِ الَّذي كان عليهم.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من عدمِ التَّحرُّزِ من البولِ.
وفيه: التَّحذيرُ من مُخالفةِ أحكامِ اللهِ، وأنَّ جزاءَ ذلك العذابُ.