باب التقصير في السفر2
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، قال: سئل عمران بن حصين عن صلاة المسافر، فقال: «حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين، وحججت مع أبي بكر، فصلى ركعتين، ومع عمر، فصلى ركعتين، ومع عثمان ست سنين من خلافته - أو ثماني سنين - فصلى ركعتين»: «هذا حديث حسن صحيح»
يَسَّرَ الإسلامُ على النَّاسِ في أمورٍ كثيرةٍ عِنَد وجودِ الضَّررِ والمشَقَّةِ، ومن ذلكَ تَخفيفُ الصَّلاةِ في السَّفرِ، وقَصْرُ الرُّباعيَّةِ منها إلى رَكعتَينِ، وسفرُ الحجِّ خاصةً فيهِ كثيرٌ من أنواعِ التَّعبِ والمشقَّةِ وأداءِ المناسكِ؛ فكان أَوْلَى بالتَّيسيرِ فيه، وقد كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم- والخُلفاءُ الرَّاشِدون خاصَّةً- حَريصينَ أشدَّ الحِرصِ على اتِّباعِ سُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو نضْرةَ: "سُئِلَ عِمْرانُ بنُ حُصينٍ عن صَلاةِ المُسافرِ"، أي: عن حُكْمِ قصْرِ صَلاةِ المُسافرِ عُمُومًا، وإنْ كانَ المقصودُ في هذا الحديثِ هُو السَّفَر لِلحجِّ. فقال عِمرانُ رضِيَ اللهُ عنه: "حجَجْتُ مع رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فصَلَّى رَكعتينِ، وحجَجْتُ مع أبي بكرٍ فصَلَّى رَكعتينِ، ومع عمرَ فصَلَّى رَكعتينِ، ومع عُثمانَ سِتَّ سِنينَ من خِلافتِه-أو ثمانَ سِنينَ- فصَلَّى رَكعتينِ"، أي: يُصلُّون صَلاةَ الفريضةِ الرُّباعيةِ قصْرًا، رَكعتينِ لكلِّ صَلاةٍ، وفي روايةِ التِّرمذيِّ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "ولا يُصلُّون قبْلَها ولا بعْدَها"، أي: لا يُصلُّون نافلةً قبْلَ الصَّلاةِ ولا بعْدَها، وكذلك العِشاءُ، مع إتمامِ صَلاةِ المغربِ ثلاثَ ركعاتٍ، والفجْرِ رَكعتينِ، وهذا لا يمنَعُ من صَلاةِ النَّوافلِ في غيرِ أوقاتِ الفرائضِ، وهذا هو هدْيُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والخُلفاءِ الرَّاشدينَ في صَلاةِ السَّفرِ، وهو من تَخفيفِ اللهِ على عِبادِه.
وأمَّا إتمامُ عُثمانَ رضِيَ اللهُ عنْه الصَّلَاةَ في الحَجِّ في النِّصْفَ الثَّاني من خِلافَتِه بعْدَ أنْ كانَ يَقْصُرهَا، فكان اجتهادًا منه؛ لأنَّ النَّاسَ كَثُروا، ويأْخُذون في الحجِّ أُمورَ الدِّينِ من الأئمَّةِ والعُلماءِ، فخاف أنْ يَتصوَّرَ البعضُ أنَّ الصَّلاةَ رَكعتانِ فقطْ، فأتَمَّ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ؛ حتَّى يَتعلَّمَها الجُهَّالُ والأعرابُ، وقيل: إنَّه أتَمَّ الصَّلاةَ؛ لأنَّه نوى الإقامةَ بمكَّةَ، ووضَعَ أموالَه في الطَّائفِ.