‌‌باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه

حدثنا قتيبة، وأحمد بن منيع المعنى واحد، قالا: حدثنا هشيم، عن عبد الله بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليمين على ما يصدقك به صاحبك»، وقال قتيبة: «على ما صدقك عليه صاحبك»: هذا حديث حسن غريب. وعبد الله بن أبي صالح هو أخو سهيل بن أبي صالح. لا نعرفه إلا من حديث هشيم، عن عبد الله بن أبي صالح. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد، وإسحاق. وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا كان المستحلف ظالما فالنية نية الحالف، وإذا كان المستحلف مظلوما فالنية نية الذي استحلف
‌‌

حَلِفُ المسْلمِ يكونُ باللهِ أو بأسمائهِ وصِفاتِه؛ لأنَّ فيه تَعظيمًا للمَحلوفِ به، وحَقيقةُ العَظَمةِ مُختصَّةٌ باللهِ تعالَى، ويَنْبغي الصِّدقُ في الحَلفِ وعَدمُ قَصْدِ أمرٍ مُختلفٍ عمَّا تكونُ اليمينُ مَطلوبةً لأجْلِه.
وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ يمينَ المرءِ وحَلِفَه يَقَعُ على ما يُصدِّقُه عليه -أو به- خَصْمُه والمُدَّعي عليه ومُحاوِرُه؛ فاليمينُ على نِيَّةِ المستحلِفِ، ولا يُؤثِّرُ فيه التَّوريةُ مِن الحالِفِ؛ فمَن اسْتحلَفَه غيرُه على شَيءٍ، ونوى الحالِفُ في حَلفِه غيرَ ذلك الشَّيءِ -سواءٌ كان مُتبرِّعًا في يَمينِه، أو بقَضاءٍ عليه لرَفعِ التُّهمةِ- فالمعتبَرُ فيه نِيَّةُ المستحلِفِ الطَّالبِ لليمينِ، كالقاضي والمُحكَّمِ والمُدَّعي، لا نِيَّةُ الحالِفِ وتَورِيتُه، بمَعنى: أنَّه يُريدُ أنْ يَفهَمَ منه صاحِبُه شَيئًا، أو يُريدُ شَيئًا وهو يُريدُ شَيئًا آخَرَ، فيُوَرِّي ببَعضِه عن بَعضٍ.
وهذا وإنْ كان مَنهيًّا عنه في الحديثِ، إلَّا أنَّ التَّوريةَ ربَّما يكونُ لها مَواطنُ لا بَأْسَ فيها، فإذا كان مَظلومًا أو مَقْهورا، أو كان في أمرٍ فيه مَضرَّةٌ عليه، وليْس المُسْتحلِفُ مُحِقًّا، فله أنْ يُوارِيَ ويُعرِّضَ باليمينِ؛ ففي السُّننِ الكُبرى للبَيهقيِّ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه قال: «أمَا في المعاريضِ ما يُغْني الرَّجلَ عن الكذِبِ».