باب التلبية والتكبير في الغدو من منى إلى عرفة 1
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال غدونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر. (م 4/ 72
الحجُّ رُكنٌ مِن أَركانِ الإسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتؤخَذُ أركانُه وسُنَنُه وآدابُه منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجَليلُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهُما أنَّهم كانوا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَبيحةِ عَرفةَ، وكان ذلك في حَجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهِجرةِ، وعَرفةُ: جبلٌ يقَعُ على الطَّريقِ بينَ مكَّةَ وَالطَّائفِ، حيث يَبعُدُ عن مكَّةَ حَوالَيْ 22 كيلومترًا، وعلى بُعدِ 10 كيلومتراتٍ من مِنًى، و6 كيلومتراتٍ من مُزدَلِفةَ، وتُقامُ في عَرفةَ أهمُّ مناسِكِ الحجِّ، وهو الوُقوفُ به في اليومِ التَّاسِعِ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ، وكان النَّاسُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «مِنهُم المُكبِّرُ» أيِ القائلُ: اللهُ أكبرُ، «ومِنهمُ المُهِلُّ»، يَعني: المُلبِّيَ، كما في رِوايةٍ أُخْرى لمسلِمٍ، فالإهْلالُ هوَ رفعُ الصَّوتِ بالتَّلْبيةِ، وفي هذا إشارةٌ إلى إقْرارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم بهذا الذِّكرِ، سواءٌ أكان بالتَّكبيرِ أو بالتَّلبيةِ. وقيلَ: المرادُ أنَّه يُدخِلُ شَيئًا مِنَ الذِّكرِ خِلالَ التَّلبيةِ، لا أنَّه يَترُكُ التَّلبيةَ بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّ المَرويَّ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لم يَقطَعِ التَّلبيةَ حتَّى رَمَى جَمْرةَ العَقَبةِ.
قال ابنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «فأمَّا نحنُ فنُكبِّرُ»، أي: أنَّه رَضيَ اللهُ عنهما اخْتارَ هو ومَن معَه التَّكبيرَ في حَجَّتِهم تلك.
ثُمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ أَبي سَلَمةَ -وهوَ أَحدُ رُواةِ الحديثِ- لعبدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ-: «واللهِ لَعَجبًا مِنكم! كَيف لم تَقولوا لَه»، أي: لابنِ عُمرَ وهو يحدِّثُ بهذا الحَديثِ الَّذي يستَدِلُّ به على التَّكبيرِ بَدلًا عنِ التَّلبيةِ: «ماذا رَأيتَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصنعُ؟»، أي: ما الذِّكرُ الَّذي عَلِمتَ أو سَمِعتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُه من هذه الأذكارِ؛ هل هو التَّكبيرُ أوِ التَّلبيةُ؟ فأَرادَ عبدُ اللهِ بنُ أَبي سَلَمةَ بِذلكَ الوُقوفَ عَلى الأَفضَلِ؛ لأنَّ الحَديثَ فيهِ التَّكبيرُ والتَّلبيةُ، فأَرادَ أنْ يَعرِفَ ما كانَ يَصنعُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليَعرِفَ الأفضَلَ مِنَ الأَمرَينِ، فيَلتزِمَه ويَفعَلَه.
وفي الحَديثِ: التَّهليلُ والتَّكبيرُ للمُحرِمِ يومَ عَرفةَ.
وفيه: بيانُ حِرصِ التَّابِعينَ على مَعرفةِ الأفضَلِ منَ السُّننِ والآدابِ.