باب التوقي في الكيل والوزن
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن عقيل بن خويلد، قالا: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، حدثني يزيد النحوي، أن عكرمة حدثه
عن ابن عباس، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله سبحانه: {ويل للمطففين} فأحسنوا الكيل بعد ذلك (2).
حثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على إحسانِ التَّعامُلِ بينَ النَّاسِ في البيعِ والشِّراءِ وإيفاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، وحذَّر مِن الغشِّ والتَّدليسِ، وإنقاصِ الموازيينِ والمكاييلِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: "لَمَّا قَدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المدينةَ"، أي: هاجَرَ إليها، "كانوا مِن أخبَثِ النَّاسِ كَيلًا"، أي: كان أهلُ المدينةِ ومَن فيها مِن التُّجَّارِ يُطفِّفون في المكاييلِ، ويتَحايَلون فيها بالغِشِّ والتَّدْليس، "فأنزَل اللهُ سبحانَه"، أي: قولَه تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]، أي: يتَوعَّدُ اللهُ عزَّ وجلَّ في تلك الآيةِ مَن يُطفِّفون المكيالَ بالعذابِ، والويلُ: هو الهلاكُ والعذابُ، وقيل: الوادي الَّذي يَسيلُ مِن صَديدِ أهلِ جَهنَّمَ في أسفَلِها، والمطفِّفون هم الَّذين يَنقُصون النَّاسَ، ويَبخَسونهم حُقوقَهم في مَكاييلِهم إذا كالُوهم، أو مَوازينِهم إذا وَزَنوا لهم عن الواجبِ لهم مِن الوفاءِ. قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: "فأحسَنوا الكيلَ بعدَ ذلك"، أي: إنَّ أهلَ المدينةِ استَجابوا لأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورجَعوا عن تلك المعصيةِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن إنقاصِ الموازيينِ والمكاييلِ ولو شيئًا قليلًا.
وفيه: الحثُّ على مراقبةِ الله تعالى في أمورِ البيعِ والشِّراءِ.
وفيه: فضلٌ لأهلِ المدينةِ ومَنقبَةٌ باستِجابَتِهم وتَلْبيَتِهم لأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ.