باب التيمم
بطاقات دعوية
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد بن يحيى النيسابوري في آخرين قالوا: حدثنا يعقوب، أخبرنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، حدثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء فتغيظ عليها أبو بكر وقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم، ولم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط " زاد ابن يحيى في حديثه قال ابن شهاب في حديثه: «ولا يعتبر بهذا الناس»، قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق قال فيه: عن ابن عباس «وذكر ضربتين». كما ذكر يونس، ورواه معمر، عن الزهري «ضربتين»، وقال مالك: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، وكذلك قال أبو أويس: عن الزهري، وشك فيه ابن عيينة قال: مرة عن عبيد الله، عن أبيه، أو عن عبيد الله، عن ابن عباس، ومرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس اضطرب ابن عيينة فيه، وفي سماعه من الزهري ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث «الضربتين» إلا من سميت
( عرس ) : من التفعيل
يقال عرس إذا نزل المسافر ليستريح نزلة ثم يرتحل وقال الخليل وأكثر أئمة اللغة : التعريس : نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة ولا يسمى نزول أول الليل تعريسا ( بأولات الجيش ) : وفي رواية الشيخين بالبيداء أو بذات الجيش
قال ابن التين شارح البخاري : البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة , وذات الجيش وراء ذي الحليفة
انتهى
وذات الجيش وأولات الجيش واحد ( فانقطع عقدها ) : عقد بكسر العين المهملة : كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة ( من جزع ظفار ) : الجزع خرز فيه سواد وبياض الواحد جزعة مثل تمر وتمرة
وحكي في ضبط ظفار وجهان كسر أوله وصرفه أو فتحه والبناء بوزن قطام
قال القاضي عياض : هو مدينة معروفة بسواحل اليمن
وقال ابن الأثير : والصحيح رواية ظفار كقطام : اسم مدينة لحمير ( فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك ) : الناس مفعول حبس وابتغاه فاعلها ( فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ليس المراد به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام معهم وصنع مثل ما صنعوا , بل المراد أنهم قاموا للتيمم وهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في الرواية السابقة ( فمسحوا بها ) : أي باليد المضروبة على الأرض ( ومن بطون أيديهم إلى الآباط ) : من للابتداء أي ثم ابتدءوا من بطون أيديهم ومدوا إلى الآباط فمسحوا أولا من ابتداء ظهور الأكف إلى المناكب
وثانيا من ابتداء بطون الأكف إلى الآباط , والله تعالى أعلم
( ولا يعتبر بهذا الناس ) : أي الناس لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذونه ولم يذهب أحد إلى التيمم إلى الآباط والمناكب
هكذا قال الزهري
وأما هو فقد ذكر ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط ( وكذلك رواه ابن إسحاق ) : أي بذكر عبد الله بن عباس بين عمار وعبيد الله بن عبد الله ( قال فيه عن ابن عباس ) : هذه الجملة بيان لقوله كذلك رواه ابن إسحاق ( وكذلك قال أبو أويس عن الزهري ) : أي بذكر عبد الله بن عتيبة بين عبيد الله بن عبد الله وعمار بن ياسر كما ذكره مالك ( وشك فيه ) : أي في هذا الحديث ( مرة قال عن أبيه ومرة قال عن ابن عباس ) : تفسير لما قبله ( اضطرب ابن عيينة فيه ) : فمرة قال عن أبيه ومرة أسقطه وجعل مكانه عن ابن عباس ( وفي سماعه عن الزهري ) : أيضا اضطرب , فمرة رواه عن الزهري بنفسه ومرة جعل بينه وبين الزهري واسطة عمرو بن دينار والاضطراب في اصطلاح المحدثين هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة من راو واحد مرتين أو أكثر أو من راويين أو رواة , ويقع الاضطراب في الإسناد تارة وفي المتن أخرى , ويقع في الإسناد والمتن معا من راو واحد أو راويين أو جماعة
والاضطراب موجب لضعف الحديث لإشعاره بعدم الضبط من رواته الذي هو شرط في الصحة والحسن , فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها مثلا أو كثرة صحبة المروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحكم للراجحة , ولا يكون الحديث مضطربا ( ولم يذكر أحد منهم ) : أي من رواة الزهري في هذا الحديث ( الضربتين إلا من سميت ) : أي ذكرت اسمه
وهم يونس وابن إسحاق ومعمر فإنهم رووا عن الزهري لفظ الضربتين
وما عداهم كصالح بن كيسان والليث بن سعد , وعمرو بن دينار , ومالك بن أبي ذئب , وغيرهم , فكلهم رووه , ولم يذكر أحد من هؤلاء ضربتين , وأما لفظ المناكب والآباط , فقد اتفق الكل في رواياتهم عن الزهري على هذه اللفظة , غير ابن إسحاق , فإنه قال في روايته المرفقين.
قال المنذري : وقال غيره : أي غير أبي داود : حديث عمار لا يخلو , إما أن يكون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولا , فإن لم يكن عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا , ولا حجة لأحد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والحق أحق أن يتبع , وإن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو منسوخ وناسخه حديث عمار أيضا
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا يجوز على عمار إذا ذكر تيممهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه منسوخ عنده إذ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم على الوجه والكفين أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا واختلف روايته عنه
فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت , وإذا لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها لأنها أوفق لكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفتين , أو يكون إنما سمعوا آية التيمم عند حضور صلاة فتيمموا فاحتاطوا وأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد لأن ذلك لا يضرهم كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء , فلما صاروا إلى مسألة النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنهم يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا , وهذا أولى مما فعلوا , وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث عمار بما وصفت من الدلائل
قال الخطابي : لم يختلف أحد من أهل العلم , في أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح بالتراب ما وراء المرفقين وفيما قاله نظر , فقد ذكر ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط
وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي حديث عائشة في انقطاع العقد وليس فيه كيفية التيمم.
انتهى كلام المنذري