باب التيمم

بطاقات دعوية

باب التيمم

حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت جالسا بين عبد الله، وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتيمم؟ فقال: لا، وإن لم يجد الماء شهرا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43] فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا. قال: نعم. فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه» فقال له عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار

التيمم رخصة شرعها الله تعالى لعباده عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله؛ تيسيرا عليهم، فهو يرفع الحدث، ومبيح لفعل الصلاة وغيرها من العبادات.وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى في بداية الأمر أن التيمم بدل للوضوء فقط لا للغسل، وفي هذا الحديث يروي التابعي شقيق بن سلمة مناظرة دارت بين عبد الله بن مسعود وبين أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في هذه المسألة، حيث قال أبو موسى رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا، أما كان يتيمم ويصلي؟ فأبو موسى ينكر قول ابن مسعود رضي الله عنه بأن الجنب لا يتيمم ولا يصلي حتى يجد الماء، ثم استدل عليه بقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43]، فرد عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بأنه لو رخص للناس في هذا التيمم لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد ويتركوا الوضوء بالماء، فاستدل ابن مسعود رضي الله عنه هنا بأن القول بأن الجنب يجوز له التيمم قد يفتح الباب أمام التساهل في التيمم، فيتيمم كل من وجد الماء باردا، فأراد سد هذه الذريعة أمام الناس بأن يمنع التيمم عند الجنابة بدل الاغتسال، فذكر أبو موسى رضي الله عنه حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله في حاجة، وأنه أصابته الجنابة في سفره هذا، فتمرغ وتقلب في الصعيد والتراب كما تمرغ الدابة، وفي رواية صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب كان مع عمار رضي الله عنهما وأنه أجنب أيضا، ولكنه لم يتيمم وامتنع عن الصلاة حتى يجد الماء.ثم لما رجع عمار ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه تمرغ في التراب بقصد التيمم من الجنابة، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم صفة التيمم، وهي أنه يضرب بيديه على التراب، ثم ينفخهما ليخفف التراب، ثم يمسح بهما كفيه ووجهه، وهذا يدل على ثبوت التيمم للجنب، وهنا اعترض عبد الله بن مسعود على أبي موسى رضي الله عنهما، وقال له: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟ يشير إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار رضي الله عنه هذا عندما حدث عمار رضي الله عنه بهذا الحديث، وكأن عبد الله بن مسعود احتج برأي عمر الذي كان لا يرى أن التيمم يرفع الجنابة والحدث الأكبر

وفى هذا الحديث: بيان عادة الصحابة رضي الله عنهم في المناظرة في العلم والاحتجاج بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والمقاييس الصحيحة عليها