باب الحث على المكاسب 5
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا عبد الله ابن سليمان، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه
عن عمه، قال: كنا في مجلس، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسه أثر ماء، فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس. فقال: "أجل، والحمد لله" ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: "لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم" (2).
الإسلامُ دِينُ السَّماحةِ واليُسرِ، وعدَمِ التَّشدُّدِ في كلِّ الأمورِ؛ فعلى المسلِمِ أن يَعيشَ في الدُّنْيا بما شرَعه اللهُ له مِن التَّكسُّبِ الحَلالِ والغِنى الحلالِ مع أداءِ حُقوقِ اللهِ وحُقوقِ العِبادِ في ذلك كلِّه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مُعاذُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ خُبيبٍ، عن أبيه، عن عَمِّه رَضِي اللهُ عنه، قال: "كنَّا في مَجلِسٍ فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وعلى رأسِه أثَرُ ماءٍ"، أي: مِن غَسْلٍ، "فقال له بَعضُنا: نَراك اليومَ طيِّبَ النَّفسِ؟"، أي: يَظهَرُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الفرَحُ والسُّرورُ وانشِراحُ الصَّدرِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أجَلْ والحَمدُ للهِ"، قال الرَّاوي: "ثمَّ أفاض القومُ في ذِكْرِ الغِنى"، أي: جعَلوا يتَكلَّمون بالذَّمِّ في الغِنى وكَثْرةِ المالِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا بأسَ"، أي: لا حرَجَ ولا إثمَ ولا مانِعَ، "بالغِنَى لِمَن اتَّقى"، أي: لا بأْسَ بالغنى إذا كان يُصاحِبُه التَّقوى؛ لأنَّ الغِنى بغَيرِ تَقْوى هلَكةٌ؛ يَجمَعُه مِن غيرِ حقِّه، ويمنَعُه مِن حقِّه، ويضَعُه في غيرِ حقِّه، فلا بأسِ لِمَن جمَع بينَ طلَبِ الرِّزقِ والعمَلِ للآخرةِ. "والصِّحَّةُ لِمَن اتَّقى خيرٌ مِن الغنى"، أي: إنَّ استِغْناءَ الإنسانِ بصِحَّتِه أفضَلُ مِن استِغْنائِه بالمالِ، "وطِيبُ النَّفْسِ مِن النَّعيمِ"، أي: انشِراحُ الصَّدرِ المقتَضي للشُّكرِ، والصَّبرُ الَّذي يَسْتوي عِندَ المتحلِّي به الغِنى والفَقْرُ، وفيه مِن الرِّضى والقَناعةِ، فإنَّ الإنسانَ يَنعَمُ بذلك عمن أكثَرَ ممَّن له مِن الغنى ولا يَقدِرُ على التَّنعُّمِ به.