باب الاقتصاد في طلب المعيشة 1
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عمارة ابن غزية، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري
عن أبي حميد الساعدي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أجملوا في طلب الدنيا، فإن كلا ميسر لما خلق له" (1).
أرشَدَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَّتَه إلى الرِّفقِ في كلِّ الأمورِ، والسَّعيِ في الدُّنيا، مع التَّوكُّلِ على اللهِ وعدَمِ التَّكالُبِ عليها. وفي هذا الحديثِ عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أيها النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ" وهذا أمرٌ بتقوى اللهِ والخوفِ منه مع مراعاةِ أوامرِه ونواهيه "وأجْمِلُوا في الطَّلبِ"، أي: اعتَدِلوا واتَّئِدوا، فلا تُفرِّطوا في الطَّلبِ والسَّعيِ فيها "فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإنْ أبطأَ عنها"، أي: أنَّ الرزقَ مقدَّرٌ مِن اللهِ وسوفَ يصلُ لكلِّ واحدٍ منهم ما قُدِّر له مِنَ الرِّزقِ وإن تأخَّرَ فيما يراه العبدُ، ولكنَّ قَدْرَ الرِّزقِ وموعدَه مُقدَّرٌ عند اللهِ "فاتقوا اللهَ وأجملِوا في الطلبِ" أي: خُذُوا ما حلَّ ودعوا ما حرم" وهذه توجيهٌ للاكتفاءِ والقناعةِ بالحلالِ والبعدِ عنِ الحرامِ، وعدم التكالب على الدنيا،
وقد وردَ عندَ ابنِ ماجَه أيضًا ما يزيدَ الأمْرَ تَوضِيحًا مِن روايةِ أبي حُمَيْدٍ السَّاعديِّ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "أجْمِلُوا في طلبِ الدُّنيا فإن كلًّا مُيسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له"، أي: مُهيَّأٌ لِمَا خلَقَه اللهُ من أجْلِه؛ فقد بيَّنَ اللهُ لهم طَريقَ الخيرِ وطريقَ الشَّرِّ، والَّذي سيكونُ من أهلِ الجنَّةِ سيعمَلُ بالأعمالِ الَّتي توصِلُه إلى الجنَّةِ، والَّذي يكونُ من أهلِ النَّارِ سيعمَلُ ويختارُ بمَشيئتِه وإرادتِه الأعمالَ الَّتي تُوصِلُه إلى النَّارِ.
وهذا لا يُنافي الأمْرَ بالعَملِ والسَّعيِ في الأرضِ لابتغاءِ الرِّزقِ، ولكنَّه تهذيبٌ للسَّعيِ، وإرشادٌ لعدمِ التَّكالُبِ على الدُّنيا وعدَمِ الحُزنِ على ما فات منها؛ فإنَّه تعالى قد قدَّرَ الرِّزقَ وكتَبَه، وقدَّرَ له سببًا هو الطَّلبُ بالإجمالِ.
وفي الحديثِ: الأمرُ بالرِّفقِ في طلَبِ الدُّنيا والاهتِمامِ بطاعةِ اللهِ؛ فإنَّ كلَّ شَيءٍ مُقدَّرٌ منه سُبحانَه.