باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه

بطاقات دعوية

باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه

عن جابرِ بن عبدِ الله رضي الله عنهما قالَ: لما قُتِلَ أَبي جعَلتُ (وفي روايةٍ: قال: جِيءَ بأَبي يوم أحد قد مُثِّلَ به حتى وُضع بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد سُجِّيَ ثوباً، فذهبتُ أريد) أَكشفُ الثوبَ عن وَجههِ أَبكي، ويَنهوْني عنه، [ثم ذهبتُ أَكشف عنه، فنهاني قومي]، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَنهاني، [فأمَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرُفع]، فجَعلَتْ عمَّتي فاطمةُ تَبكي (وفي روايةٍ: فَسمعَ صوتَ صائحة، فقال: "من هذه؟ ". قالوا: ابنةُ عَمروٍ، أو أختُ عمروٍ)، فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
" تَبكينَ أو لا تَبكينَ، ما زالتِ الملائكةُ تُظِلُّه بأجنحتِها حتى رفَعتموهُ".

كَتَبَ اللهُ تعالَى على عِبادِه المؤمنينَ البلاءَ، ووَعَدَهم بالأجْرِ الجزيلِ إذا صَبَروا على ما ابْتَلاهم به، ومِن أعظَمِ البلاءِ الابتلاءُ بفَقْدِ أحَدِ الوالدَينِ، وقد هذَّبَ الإسلامُ أفعالَ النَّاسِ، وأمَرَهم بكلِّ خيرٍ في ذلك المَوقفِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا قُتِلَ أبوه -وكان ذلك في غَزوةِ أُحُدٍ- جَعَلَ يَكشِفُ الثَّوبَ عن وَجْهِه؛ ليُودِّعَه الوَداعَ الأخيرَ، وجَعَلَ الحاضرون يَنْهَونه عن فِعلِه هذا، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَراهُ ولا يَنْهاهُ، وفي هذا إقرارٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لفِعلِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه. وكانت عمَّتُه فاطِمةُ بِنتُ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عنها تَبْكي أخاها عبدَ اللهِ بنَ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنه، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبَشِّرًا ومُواسيًا لها في مُصابِها: «تَبكينَ أو لا تَبْكينَ»، يعني أنَّها إنْ بَكَت عليه فإنَّ بُكاءَها عليه لا يَنقُصُه، وأنَّ صَبْرَها عنه في مَوضعِه، وأنَّ عَزاءَها فيه عَظيمٌ، وبُشراها كَبيرةٌ، وحَسْبُها عَزاءً أنَّه ما زالَت الملائِكةُ تُظِلُّه بأجنِحتِها حتَّى رَفَعَه الناسُ، يعني استمرَّت تُظَلِّلُه تَكريمًا له، حتَّى رَفَعتُموه عن النَّعشِ إلى قَبْرِه. وقيل: معناهُ: لا تَزالُ الملائكةُ مُجتمِعةً عليه، مُتزاحِمةً على المُبادَرةِ لصُعودِهم برُوحِه حتَّى رَفعْتُموه مِن مَقتلِه، أو رَفعْتُموه مِن مَغسلِه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الدُّخولِ على الميِّتِ قبْلَ دَفْنِه، وكَشْفِ الثَّوبِ عنه إذا لم يَبْدُ منه أذًى.
وفيه: أنَّ التَّزكيةَ القَطعيَّةَ لأيِّ إنسانٍ تَجوزُ في الأمورِ الماضيةِ لا في المُستَقبَلةِ؛ لأنَّ المُستقبَلَ غَيبٌ، فلا يَجوزُ القَطعُ لأحَدٍ بالجنَّةِ إلَّا مَن شَهِدَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مُشروعيَّةُ البُكاءِ على المَيتِ مِن غَيرِ نِياحةٍ ولا نَدْبٍ.
وفيه: فَضيلةٌ عَظيمةٌ لعَبدِ اللهِ بنِ حَرامٍ والِدِ جابِرٍ رَضيَ اللهُ عنهما.