باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم32
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله مائة رحمة فوضع رحمة واحدة بين خلقه يتراحمون بها وعند الله تسع وتسعون رحمة». وفي الباب عن سلمان، وجندب بن عبد الله بن سفيان البجلي. هذا حديث حسن صحيح
وفي هذا الحديثِ يقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ اللهَ خَلقَ يَومَ خَلقَ السَّمواتِ والأرضَ مِائةَ رَحمَةٍ» وفي هذا بُشرى للمؤمنينَ والعُصاةِ والمُذنِبين أنْ يَتوبوا ويَعودوا إلى اللهِ، وهَذه الرَّحمَةُ الَّتي جَعَلَها اللهُ في خَلقِه وعِبادِه مَخلوقَةٌ، أَمَّا الرَّحمَةُ الَّتي هِي صِفَةٌ مِن صِفاتِ الرَّبِّ سُبحانَه القائمةِ بِذاتِه سبحانَه، وهي تَليقُ بجَلالِه وعَظمَتِه ليست بمَخلوقَةٍ.
«كُلُّ رَحمةٍ طِباقُ ما بَينَ السَّماءِ والأَرضِ»، أي: تَملأُ ما بَينَ السَّماءِ والأَرضِ ومَقصودُه التَّعظيمُ والتَّكثيرُ لقِيمةِ هذه الرَّحمةِ، «فجَعلَ مِنها في الأَرضِ رَحمةً» أي: جُزءًا واحدًا منَ المئةِ جُزءٍ، وَهَذا الجزءُ الواحدُ الَّذي جَعلَه اللهُ في الدُّنيا؛ بِه تَعطِفُ الوالِدَةُ على وَلدِها، وذلك ببَذلِها الرِّعايةَ له والسَّهرَ على راحتِه، وحِمايتَه مِن كلِّ ما يُؤذِيه، «والوَحشُ» وهو كلُّ حَيوانٍ غيرُ مُستأنَسٍ، و«الطَّيرُ» أي: تَتراحَمُ الأجناسُ فيما بيْنها بَعضُها عَلى بعضٍ، ولعلَّ تَخصيصَ الوحشِ والطَّيرِ لشِدَّةِ نُفورِها، كُلُّ ذَلك مِن رَحمةٍ واحدةٍ أَنْزَلَها اللهُ في الدُّنيا، وتَبْقى الأجزاءُ التِّسعةُ والتِّسعون إلى يَومِ القيامَةِ أَكمَلَها اللهُ سُبحانَه مِائةَ رَحمةٍ بهَذِه الرَّحمةِ، فيَرحَمُ اللهُ بجَميعِها عِبادَه المؤمِنينَ الموحِّدين.