باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم8
سنن الترمذى
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر، عن عبد الله بن عمرو، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع» وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وابن مسعود. وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
أعطى اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الفصاحةَ والبيانَ وجوامِعَ الكَلِمِ؛ فكان في دُعائه يأتي بالمعاني العَظيمةِ في ألفاظٍ يسيرةٍ، ولكنَّها معبِّرةٌ وجامعةٌ، تشمَلُ الموعظةَ والتَّعليمَ لأمَّتِه.
وفي هذا الحديثِ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدعو ويقولُ: "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الأربَعِ"، أي: ألجَأُ إليك وأستجيرُ من شرِّ أربعةِ أمورٍ: "مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ"، أي: أعوذُ بك وأستجيرُ مِن العلمِ الَّذي لا يعودُ بالنَّفعِ على صاحبِه، وبالهدايةِ إلى الحقِّ والرَّشادِ، والنَّفعِ في أمورِ الدُّنيا والآخرةِ؛ كالسِّحرِ، والتَّنْجيمِ، والرَّجمِ بالغيبِ، "ومِن قلبٍ لا يَخشَعُ"، وأعوذُ بك مِن القلبِ القاسي الَّذي لا يتَأثَّرُ ولا يَذِلُّ للهِ، ولا يَنقادُ لأُمورِ الشَّرعِ والطَّاعاتِ، "ومِن نفسٍ لا تَشبَعُ"، أي: وأعوذُ بك مِن النَّفسِ الطَّمَّاعةِ والشَّرِهةِ الَّتي لا تَشبَعُ من الدُّنيا مهما أوتِيَتْ، وهذه النَّفسُ تُورِدُ صاحِبَها مَوارِدَ الهلاكِ، وتَحثُّه على الحرامِ والانغماسِ في الشَّهواتِ، "ومِن دُعاءٍ لا يُسمَعُ"، أي: وأعوذُ بك مِن أن أدعُوَ ولا تَستَجيبَ لي دُعائي وتَرُدَّه وهذا إشارةٌ إلى أنَّ صاحبَ هذا الدُّعاءِ ممَّن سَخِط وغَضِب اللهُ عليه