باب الرجل يجد مع امرأته رجلا

سنن ابن ماجه

باب الرجل يجد مع امرأته رجلا

حدثنا أحمد بن عبدة، ومحمد بن عبيد المديني أبو عبيد، قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه
عن أبي هريرة: أن سعد بن عبادة الأنصاري قال: يا رسول الله، الرجل يجد مع امرأته رجلا، أيقتله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا". قال سعد: بلى، والذي أكرمك بالحق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا ما يقول سيدكم"

بيَّنَ الشَّرعُ أحْكامَ الزَّواجِ بيْنَ الرَّجُلِ والمرأَةِ، كما أوضَحَ أحْكامَ رَميِ الزَّوجِ زَوجَتَه بالزِّنا ولا تُوجَدُ البيِّنةُ، وما يَترتَّبُ على ذلك مِنَ المُلاعَنةِ وغيرِها مِن أحْكامِ الفُرقةِ، لحِفْظِ الأنْسابِ، ودَفْعِ المعَرَّةِ عَنِ الأزْواجِ، ودَرْءِ حدِّ القَذْفِ، ولدَفعِ التَّشاحُنِ وحَقنِ الدِّماءِ بينَ النَّاسِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَعدَ بنَ عُبَادةَ الأنْصاريَّ رَضيَ اللهُ عنه جاء إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك لَمَّا نزَلَ قَولُ اللهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، كما في مُسنَدِ أحمَدَ من حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وقال: «يا رَسولَ اللهِ، أرأيْتَ»، أي: أخْبِرْني وأعْلِمْني ما حُكمُ؟ «الرَّجلَ يَجِدُ معَ امْرأتِهِ رجُلًا؛ أيَقتلُهُ؟»، أي: فيُقتَلُ القاتلُ قِصاصًا، أمْ يَذهَبُ حتَّى يأتيَ بأرْبعةِ شُهودٍ فيَهْرُبَ ويكونَ قدْ قضَى حاجتَهُ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا»، أي: لا يُقتَلُ، بلْ يُؤْتى بالشُّهودِ، ويُقامُ عليه الحدُّ؛ لأنَّه لو لمْ يَحدُثْ ذلك، لَتَجرَّأَ السَّكرانُ والغَضبانُ والغَيْرانُ على القَتلِ، ثُمَّ ادَّعى أنَّ امرأتَه كانت تَفعَلُ الفاحشةَ، فتَعُمُّ الفَوْضى، فقال سَعدٌ: «بلَى» وأقسَمَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالإلهِ الَّذي أكْرَمَه وشرَّفَه بأنْ بعَثَه بالحقِّ والشَّريعةِ إنَّ مَن يَرى ذلكَ في أهلِهِ يَستَوْلي عليه الغَضَبُ والغَيْرةُ، فيَقومُ بضَرْبِه بالسَّيفِ، وهذا ليسَ مُعارَضةً لكلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما قالَه غَيْرةً، وطمَعًا في الرُّخصةِ بقَتلِ الزَّاني وهو في حالةِ تلبُّسٍ بالمَعْصيةِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتعجِّبًا: «اسَمَعوا إلى ما يَقولُ سَيِّدُكم!»، والسَّيِّدُ: رئيسُ القَومِ، ومُقَدَّمُهم، وكان سَعدٌ سيِّدَ الخَزرجِ منَ الأنْصارِ، والمرادُ: انْظُروا إلى غَيْرَتِه! وفي تَمامِ الرِّوايةِ عندَ مُسلمٍ: «إنَّه لغَيورٌ، وأنا أغيَرُ منه، واللهُ أغيَرُ منِّي»، أي: عَظَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ سَعدٍ شُعورَهُ بالغَيْرةِ، وبيَّنَ أنَّها من شِيَمِ كِرامِ النَّاسِ وساداتِهم، وقدْ جاءَ في الصَّحيحَينِ تَفسيرُ غَيْرةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفيه: «وغَيْرةُ اللهِ أنْ يأتيَ المؤمِنُ ما حرَّمَ اللهُ».
وعلى الرَّغمِ مِنْ كِبَرِ هذا الأمرِ -أنْ يَرَى الرَّجلُ معَ أهْلِه رَجلًا غَريبًا- وعِظَمِهِ، فالمُسلِمُ مُلزَمٌ بأوامِرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ونَواهيهِ، وإنْ خالَفَتْ رأيَهُ وهَواه، ولو تُرِكَ الأمرُ لِمِثلِ ما قال سَعدٌ لَكانتِ المَفْسَدةُ أعظَمَ، ولفتَحَ ذلك بابًا لِلفِرْيةِ وغيرِها مِنَ المفاسِدِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الغَيْرةَ والنَّخْوةَ يَنبَغي ألَّا تَحولَ بيْنَ العبدِ وبيْنَ تَنْفيذِ أوامرِ اللهِ وإقامةِ حُدودِه.
وفيه: ضَرورةُ الإتْيانِ بالشُّهودِ على الزِّنا.