باب التغليظ في الربا 1
سنن ابن ماجه
حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب
عن عمر بن الخطاب، قال: إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة (1).
حرَّم اللهُ سبحانه الرِّبا وما يُؤدِّي إليه، وقد أعلَن سبحانه الحربَ على مَن تَعامَلَ بها؛ لِما فيه مِن ضَياعٍ لأموالِ النَّاسِ، وأكلٍ لحُقوقِهم وما يتَرتَّبُ على ذلك مِن التَّقاطُعِ والتَّدابُرِ بين النَّاسِ، وفَسادِ المجتمَعاتِ.
وفي هذا الخبَرِ يقولُ عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنه: "إنَّ آخِرَ ما نزَلَت"، أي: آخِرُ آيَةٍ نزَلَتْ فيما يتَعلَّقُ بالمُعامَلاتِ، لا مُطلَقًا: "آيةُ الرِّبا"، أي: الآيةُ الَّتي نزَلَت في تحريمِ الرِّبا، وهي قولُه تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]- إلى قولِه تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]، "وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قُبِضَ ولم يُفسِّرْها لنا، فدَعُوا الرِّبا والرِّيبةَ"؛ وذلك لأنَّه لَم يَعِشْ بَعدَها إلَّا قَليلًا معَ اشتِغالِه بما هو أهَمُّ مِن تَفسيرِها؛ لا سيَّما والمقصودُ مِنه واضحٌ؛ فلا يتَوقَّفُ العمَلُ على تَفسيرِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإنَّما المتوقِّفُ عليه ما أشارَت إليه مِن اللَّطائفِ والدَّقائقِ، وقيل: هي ثابتةٌ غيرُ منسوخةٍ، صريحةٌ غيرُ مشتبِهةٍ؛ فلذلك لم يُفسِّرْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تفسيرًا جامِعًا لتَمامِ الجزئيَّاتِ مُغْنيًا عن مُؤنةِ القِياسِ، وإلَّا فالتَّفسيرُ قد جاء، ومرادُه أنَّه لا بدَّ في بابِ الرِّبا مِن الاحتِياطِ، فأَجْرُوها على ما هي عليه، فلا تَرْتابوا فيها، واترُكوا الحِيلةَ في حِلِّها، وهو المرادُ مِن قولِه: "فدَعُوا الرِّبا والرِّيبةَ"؛ لأنَّ ما يَشتبِهُ الأمرُ فيه ينبَغي تركُه تورُّعًا في هذا البابِ.
وفي الحديثِ: التَّأكيدُ على حُرمةِ الرِّبا، وعلى ضَرورةِ البُعدِ عمَّا فيه شُبهةُ رِبًا ورِيبةٍ.