باب الرخصة في ذلك إذا لم يصد له2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة
عن أبيه، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأحرم أصحابه ولم أحرم، فرأيت حمارا، فحملت عليه فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرت أني لم أكن أحرمت، وأني إنما اصطدته لك، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يأكلوه، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له (1)
بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأُمَّتِه ما يحِلُّ وما يَحْرُمُ مِن الطَّعامِ وَقْتَ الإحرامِ بالحجِّ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو قَتادةَ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "خرَجْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زمَنَ الحُديبيَةِ"، أي: إلى مكَّةَ لأداءِ العُمرةِ، وكانت في السَّنةِ السَّادسةِ مِن الهِجرةِ، قال: "فأحرَمَ أصحابي ولم أُحْرِمْ"، وهذا يُبَيِّنُ أنَّ تَرْكَه الإحرامَ ومُجاوزتَه المِيقاتَ بلا إحرامٍ كأنَّه قبْلَ أنْ تُقَدَّرَ المَواقيتُ؛ فإنَّ تَقديرَ المَواقيتِ كان في سَنَةِ حَجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، "فرأَيْتُ حِمارًا"، أي: حِمارًا وحشيًّا، "فحمَلْتُ عليه فاصْطَدْتُه، فذكَرْتُ شأْنَه لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذكَرْتُ أنِّي لم أكُنْ أحرَمْتُ، وأنِّي إنَّما اصْطَدْتُه لك"، أي: لِيَطْعَمَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أبو قَتادةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه فأَكَلوا"، أي: مِن هذا الصَّيدِ، "ولم يأكُلْ منه حينَ أخبَرْتُه أنِّي اصطَدْتُه له" أي: امتنَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكْلِ هذا الصَّيدِ.
وقد جاء في الصَّحيحِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكَلَ مِن الصَّيدِ وهو مُحرِمٌ، وجُمِعَ بينَ الحَديثَينِ بأنَّ ذلك حصَلَ مِن أبي قُتادةَ مَرَّتينِ: مَرَّةً أكَلَ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَرَّةً لم يأكُلْ؛ فأكَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ لم يُخْبِرْه أنَّه اصطادَه له، ولم يأكُلْ حين أعلَمَه أنَّه اصطادَه مِن أجْلِه.
وقيل: يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ ذلك لبَيانِ الجوازِ؛ فإنَّ الَّذي يحرُمُ على المُحرِمِ إنَّما هو الَّذي يَعلَمُ أنَّه صِيدَ مِن أجْلِه، وأمَّا إذا أُتِيَ بلَحمٍ لا يَدْري هل هو لَحمُ صَيدٍ أو لا، فحمَلَه على أصْلِ الإباحةِ، فأكَلَ منه؛ لم يكُنْ ذلك حَرامًا على الآكِلِ. ولأنَّ الحلالَ إذا صاد لنفْسِه جاز للمُحرِمِ الأكْلُ مِن صَيدِه.