باب الرخصة في عدم الغسل يوم الجمعة 1

سنن ابن ماجه

باب الرخصة في عدم الغسل يوم الجمعة 1

 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فدنا وأنصت واستمع، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا" (1).

يَومُ الجُمُعةِ يَومٌ عَظيمٌ، وهو يومُ عيدٍ أسبوعيٍّ للمُسلِمين؛ ففيه يَجتَمِعون على صَلاةِ الجمُعةِ، الَّتي جعَل اللهُ فيها أجرًا عظيمًا لِمَن أحسَنَ الاستِماعَ لِخُطبَتِها وأحسنَ أداءَ صَلاتِها، ولكِنْ ليس كلُّ مَن يَحضُرُ صلاةَ الجمُعةِ على درَجةٍ واحدةٍ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "مَن توَضَّأَ فأحسَنَ الوُضوءَ"، أي: أتَى به على الوجهِ الأكمَلِ والأتمِّ له، وأعطى كلَّ عضوٍ حقَّه مِن الماءِ، "ثمَّ أتى الجمُعةَ"، أي: صلاةَ الجمعةِ؛ "فاستَمَعَ وأنصَت"، أي: استَمَع لخُطبَةِ الإمامِ بإنصاتٍ وتعَقُّلٍ، ولم يتَكلَّمْ، وجلَس في مَكانِه ولم يتَحرَّكْ ولم يتَقدَّمِ الصُّفوفَ، أو يتَنقَّلْ مُتخطِّيًا الرِّقابَ، "غُفِر له ما بينَ الجُمعةِ إلى الجمعةِ، وزِيادةُ ثلاثةِ أيَّامٍ"، أي: يُكفِّرُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن ذُنوبِه عَشَرةَ أيَّامٍ؛ وذلك بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، والمرادُ غُفرانُ الذُّنوبِ الصَّغائرِ لا الكَبائرِ؛ كما بيَّنَت الرِّواياتُ الأخرى؛ لأنَّ الكبائرَ لا بُدَّ لها مِن التَّوبةِ وعدَمِ العودةِ وغيرِ ذلك مِن الشُّروطِ.
"ومَن مسَّ الحَصى"، أي: انشَغَل عن الخُطبَةِ أوِ الصَّلاةِ بمسِّ الحَصى أو ما شابهَ "فقد لَغا"، أي: تَكلَّمَ بما لا يُشرَعُ له، ويتَحقَّقُ اللَّغوُ بأيِّ شيءٍ مِن الكلامِ، حتَّى وإن قال الرَّجُلُ لأَخيه: أنصِتْ، ومَن لَغا فلا حظَّ له مِن أجرِ الجمعةِ، وإنَّما حظُّه ونَصيبُه مِنها هو كلامُه أو فِعلُه.
وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ يومِ الجمعةِ.
وفيه: الحثُّ على الإنصاتِ وحُسنِ الاستِماعِ يومَ الجمعةِ مع مُراعاةِ الآدابِ، وذلك له أجرٌ عظيمٌ.
وفيه: الزَّجرُ عن اللَّغوِ أثناءَ خُطبةِ الجمعةِ؛ لأنَّه مُضيِّعٌ للأجرِ.