باب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم9-2
سنن الترمذى
حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن عبد الوهاب بن الورد، عن رجل، من أهل المدينة قال: كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة إلى معاوية: سلام عليك. أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، والسلام عليك» حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها كتبت إلى معاوية، فذكر الحديث بمعناه، ولم يرفعه
رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ مِن أجَلِّ ما يَسْعى إليه كلُّ مؤمنٍ حَصيفٍ، فمَنْ رضِيَ اللهُ عَنه غفَر له ورَحِمَه وأدخَله جنَّتَه، والفائزُ حقًّا هو مَن فاز برِضا اللهِ سبحانه وتعالى.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن الْتَمَس رِضا اللهِ بسَخطِ النَّاسِ"، أي: أيُّما أحَدٍ سعى في الفوزِ برضا اللهِ عزَّ وجلَّ وطلَبِ مَرْضاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ولو كلَّفه ذلك كُرْهَ النَّاسِ له وعدَمَ رِضاهم عنه وسخَطَهم عليه، "كفَاه اللهُ مُؤنةَ النَّاسِ"، أي: حَفِظه اللهُ مِن سخَطِ النَّاسِ عليه وأرضَى عنه النَّاسَ، وكفاه همَّ ذلك، "ومَن الْتمَس رِضا النَّاسِ بسخَطِ اللهِ"، أي: وأيُّما أحدٍ سعَى في الفوزِ برِضا النَّاسِ، ونَيْلِ مَرْضاتِهم بمعصيةِ اللهِ وعدَمِ المبالاةِ بما أمَر وما نهى، وعدَمِ الاحتِرازِ مِن سخَطِ اللهِ، "وكَله اللهُ إلى النَّاسِ"، أي: ترَك أمْرَه إلى النَّاسِ، وسلَّطهم عليه، فلم يَرْضَوه ولم يَرضَوا عنه، وسَخِط اللهُ عليه، فمَن أرضاهم بسخَطِ اللهِ لم يَكُنْ مُوقِنًا لا بوَعدِه ولا برِزقِه؛ فإنَّه إنَّما يَحمِلُ الإنسانَ على ذلك إمَّا ميلٌ إلى ما في أيديهم، فيَترُكُ القيامَ فيهم بأمرِ اللهِ لِما يَرْجونه مِنهم، وإمَّا ضَعْفُ تَصديقِه بما وعَد اللهُ أهلَ طاعتِه مِن النَّصرِ والتَّأييدِ والثَّوابِ في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي الحديثِ: فضلُ مَن سعَى في نَيلِ مَرْضاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّ ذلك سَببٌ لكِفايَتِه مُؤنةَ النَّاسِ.