باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

بطاقات دعوية

باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه
حديث عمر بن أبي سلمة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به، في بيت أم سلمة، واضعا طرفيه على عاتقيه

كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على تعليم من بعدهم الصلاة؛ أركانها وسننها وآدابها
وفي هذا الحديث يحكي التابعي عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أنه أتى هو وأبوه الوليد بن عبادة إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما طلبا للعلم، كما في تمام الرواية عند مسلم، وكان جابر رضي الله عنه في مسجد قومه، وقيل: يحتمل أنه يريد موضع صلاته بالمسجد النبوي، «وهو يصلي في ثوب واحد، مشتملا به»، أي: ملتحفا به، قال عبادة: «فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة» فعل ذلك وزاحم حرصا على القرب منه لسماع العلم، فقال لجابر رضي الله عنه: «يرحمك الله، أتصلي في ثوب واحد ورداؤك إلى جنبك؟!» ينكر عليه عبادة صلاته في الثوب الواحد ومعه ثوب آخر، «فقال بيده في صدري هكذا» أي: ضربه بظهر كفه في صدره «وفرق بين أصابعه وقوسها»، أي: جعلها مثل القوس ولواها إلى نصف الدائرة، وفعله هذا زجرا وتأديبا له، وقال له جابر رضي الله عنه معلما إياه: «أردت» أي: قصدت بصلاتي في ثوب واحد وعندي ردائي «أن يدخل علي الأحمق»، أي: الجاهل «مثلك فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله» فيتعلم جواز الصلاة في ثوب واحد، وسماه أحمقا لعدم موافقة فعله الأدب
ثم أخبر جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم في مسجدهم، «وفي يده عرجون ابن طاب» وابن طاب: نوع من التمر منسوب إلى رجل من أهل المدينة، والعرجون: أصل العذق الذي يقطع منه الشماريخ التي فيها التمر، فيبقى ذلك الأصل يابسا، فهذا الأصل هو العرجون، «فرأى في قبلة المسجد نخامة» وهي ما يبصق من الفم، فحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك النخامة من جدار المسجد بالعرجون الذي في يده، ثم استقبل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بوجهه، وقال لهم: «أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟» قال جابر رضي الله عنه: «فخشعنا»، أي: خفنا وتذللنا، وفزعنا لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من إعراض الله عنا، ثم كرر النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله مرتين، وهذا التكرار للتأكيد والتغليظ في الأمر، فأجاب الصحابة رضي الله عنهم في المرة الثالثة: «لا أينا يا رسول الله»، أي: لا يحب أحد منا أن يعرض الله عنه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه» في الجهة المقابلة لوجهه، يعني جهة القبلة، «فلا يبصقن قبل وجهه» أي: أمامه، «ولا عن يمينه» تعظيما لجهتها؛ لأنها مرتفعة عن الأقذار، «وليبصق عن يساره»؛ لعدم شرفها لأنها جهة الأقذار تحت رجله اليسرى، «فإن عجلت به بادرة»، أي: سبقت بصقة أو نخامة وخرجت دون اختياره، «فليقل بثوبه هكذا» أي: يبصق في طرف ثوبه، «ثم طوى ثوبه»، أي: لفه «بعضه على بعض» ليريهم كيف يفعلون بثوبهم إذا بصقوا فيه.
ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أروني عبيرا»، أي: ائتوني به، والعبير: أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران، «فقام فتى من الحي يشتد»، أي: يجري بسرعة إلى أهله وبيته، «فجاء بخلوق»، أي: بطيب مخلوط من الزعفران وغيره «في راحته»، أي: كفه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العرجون، «ثم لطخ» أي: مسح بذلك الطيب من الخلوق أثر النخامة ومحلها، قال جابر رضي الله عنه: «فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم» يعني: أن الناس منذ ذلك اليوم اتخذوا الطيب في مساجدهم؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: الصلاة في الثوب الواحد
وفيه: النهي عن البصاق في المسجد
وفيه: تطييب المساجد بالروائح العطرية