باب العتق
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي مراوح
عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمنا" (1)
حرَص الإسلامُ على تَحريرِ الإنسانِ مِن الرِّقِّ والعُبوديَّةِ؛ فأمَر بعِتْقِ الرَّقيقِ والعَبيد، وجعَل العِتقَ نوعًا مِن الكَفَّاراتِ لِبَعضِ الذُّنوبِ، كما جعَل العِتقَ مِن أفضَلِ الصَّدَقاتِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رَضِي اللهُ عنه: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الرِّقابِ"، جمعُ رقَبةٍ، ويُرادُ بها العبدُ المملوكُ، "أفضَلُ؟"، أي: أفضَلُها للعِتْقِ وأعْلاها أجْرًا عِندَ اللهِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أنْفَسُها عِندَ أهلِها"، أي: هي الَّتي يَرغَبُ فيها مالِكُوها أكثَرَ مِن غيرِها، "وأغلاها ثَمنًا"، أي: أكثَرُها ثَمنًا، وقال العلماءُ: مَحلُّه فيمَن أراد أن يُعتِقَ رقَبةً واحِدةً، أمَّا لو كان مع شخصٍ ألفُ دِرْهمٍ مثَلًا فأرادَ أن يَشترِيَ بها رقَبةً يُعتِقُها، فوجَد رقَبةً نَفِيسةً أو رقَبَتَينِ مَفْضولَتَينِ فالرَّقَبتانِ أفضَلُ؛ لأنَّ المطلوبَ هنا فَكُّ الرَّقَبةِ، والَّذي يَظهَرُ أنَّ ذلك يَختلِفُ باختلافِ الأشخاصِ؛ فرُبَّ شخصٍ واحدٍ إذا أُعتِقَ انتَفَع بالعِتْقِ، وانتُفِع به أضعافَ ما يَحصُلُ مِن النَّفعِ بعِتْقِ عَبيدٍ ذَوِي عدَدٍ.
قولُه: "وأنفَسُها عندَ أهلِها"، أي: ما يَكونُ اغتِباطُهم بها أشَدَّ؛ فإنَّ عِتقَ مِثْلِ ذلك ما يقَعُ غالِبًا إلَّا خالِصًا، وهو كقَولِه تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
والأنفَسُ: الأفضَلُ؛ ولِذلِك يَغْلو ثمَنُه، فزِيدَ الثَّوابُ لِذَلك، فيَجتَمِعُ في هذه الرَّقبةِ النَّفاسةُ، وكَثرَةُ الثَّمَنِ، ومِثلُ هذا لا يَبذُلُه إلَّا إنسانٌ عِندَه قوَّةٌ وإيمانٌ.
وأصلُ هذا الحديثِ في الصَّحيحَين، وفيه: "سأَلتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أيُّ العمَلِ أفضَلُ؟ قال: «إيمانٌ باللهِ، وجِهادٌ في سَبيلِه»، قلتُ: فأيُّ الرِّقابِ أفضَلُ؟ قال: «أَعْلاها ثَمنًا، وأنفَسُها عِندَ أهلِها»، قلتُ: فإنْ لم أفعَلْ؟ قال: «تُعِينُ ضايِعًا، أو تَصنَعُ لأَخْرَقَ»، قال: فإن لم أفعَلْ؟ قال: «تدَعُ النَّاسَ مِن الشَّرِّ؛ فإنَّها صدَقةٌ تَصدَّقُ بها على نفسِك".
وفي الحديثِ: الحثُّ على عِتقِ الرِّقاب وتحريرِ الرَّقيقِ.