باب العمرة من التنعيم2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام ابن عروة، عن أبيه
عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، نوافي هلال ذي الحجة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهلل، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة".
قالت: فكان من القوم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، فكنت أنا ممن أهل بعمرة.
قالت: فخرجنا حتى قدمنا مكة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، لم أحل من عمرتي، فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "دعي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج".
قالت: ففعلت، فلما كانت ليلة الحصبة، وقد قضى الله حجنا، أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني، وخرج إلى التنعيم، فأحللت بعمرة، فقضى الله حجنا وعمرتنا، ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم (1)
أَنْساكُ الحَجِّ ثَلاثةٌ: التَّمَتُّعُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالعُمْرةِ في أشهُرِ الحجِّ -وهي شَوَّالٌ وذو القَعدةِ، وذو الحِجَّةِ- ثُمَّ يَحِلَّ منها، ثُمَّ يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه. والقِرَانُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ معًا. والإفْرادُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ فَقَطْ.
وفي هذا الحَديثِ تُحدِّثُنا عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها عن حَجَّةِ الوَداعِ، وهي الحَجَّةُ التي حَجَّها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان كالمُوَدِّعِ لهم في خُطَبِ الحجِّ، ولمْ يَلْبَثْ كَثيرًا بعدَه، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، فتُخبِرُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّهم خَرَجوا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأَهلُّوا بعُمرةٍ، والمرادُ بالإهلالِ هنا: قصْدُ النِّيةِ في الإحرامِ، وهو في الأصْلِ رفْعُ الصَّوتِ بالتَّلبيةِ، ثمَّ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن كانَ معه هَدْيٌ فلْيُهِلَّ بالحجِّ مع العُمرةِ»، أي: فلْيَجمَعْ بيْن حَجِّه وعُمرتِه في إحرامٍ واحدٍ -والهَدْيُ اسمٌ لِما يُهدى ويُذبَحُ في الحرَمِ مِن الإبلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْزِ-؛ لأنَّه لا يَجوزُ لمَن ساقَ الهَدْيَ أنْ يَتحلَّلَ حتَّى يَنحَرَ هَدْيَه بعْدَ تَمامِ النُّسكِ يومَ النَّحْرِ.
وتَحكي عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها جاءتْ إلى مَكَّةَ وهي حائِضٌ ومَنَعَها مِن أداءِ مَناسِكِ العُمرةِ؛ لأنَّ الحائضَ لا تَطوفُ بالكَعبةِ، فأخْبَرَت بذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَرَها بأنْ تَنقُضَ شَعرَها وتَغسِلَه وتُسرِّحَه، وتَجعَلَه ضَفائرَ، وأمرَها بأنْ تَدَعَ عَمَلَ العُمرةِ وتُدخِلَ عليها الحجَّ، فتكون قارِنةً، ثمَّ لمَّا قَضَت الحجَّ وتَحلَّلَت منه أرْسَلَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع أخِيها عَبدِ الرَّحمن بنِ أبي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنهم، فخَرَجَت إلى التَّنْعِيمِ، وهو مَوضِعٌ على طَريقِ المدينةِ، على بُعدِ (7 كم) مِن الحرَمِ الشَّريفِ، وهو خارجَ الحرَمِ، فأهلَّتْ بعُمرةٍ؛ تَطْييبًا لنَفسِها؛ ليَحصُلَ لها عُمرةٌ مُنفرِدةً مُستقِلَّةً، كما حَصَلَ لسائِر أمَّهاتِ المؤمنينَ، وإنَّما أحْرَمَت مِن التَّنْعيمِ؛ لأنَّه أوَّلُ الحِلِّ، ولا يَتعيَّنُ، وإنَّما يَجِبُ الإحرامُ مِن الحلِّ مِن أيِّ جِهة أو مَوضِعٍ كان.
ثمَّ أخْبَرَت رَضيَ اللهُ عنها أنَّه قدْ طافَ الَّذين كانوا أهَلُّوا بالعُمرةِ بالبَيتِ وبيْن الصَّفا والمَرْوةِ مِن أجْلِ العُمرةِ، ثمَّ حلُّوا منها بالحَلقِ أو التَّقصيرِ، ثمَّ طافوا طَوافًا آخَرَ للحجِّ بعْدَ أنْ رَجَعوا مِن مِنًى، وأمَّا الَّذين جَمَعوا الحَجَّ والعُمرةَ فإنَّما طافوا طَوافًا واحدًا؛ لأنَّ القارِنَ يَكفيهِ طَوافٌ واحِدٌ وسَعيٌ واحدٌ؛ لأنَّ أفعالَ العُمرةِ تَندرِجُ في أفعالِ الحجِّ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ التَّمتُّعِ والقِرانِ في الحجِّ.
وفيه: اشتراطُ الطَّهارةِ في الطَّوافِ حَولَ الكعبةِ.
وفيه: أنَّ المرأةَ تَخرُجُ في السَّفرِ مع أحَدِ مَحارِمِها.
وفيه: الرِّفقُ في مُعامَلةِ النِّساءِ وتَطييبُ خَواطرِهنَّ.
وفيه: الإحرامُ بالعُمرةِ مِن التَّنعيمِ لمَن كان داخِلَ الحرَمِ.