باب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم4
سنن الترمذى
حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا عبد الواحد بن سليم، قال: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له: يا أبا محمد، إن أهل البصرة يقولون في القدر، قال: يا بني، أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فاقرأ الزخرف، قال: فقرأت: {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} [الزخرف: 2] فقال: أتدري ما أم الكتاب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السموات وقبل أن يخلق الأرض، فيه إن فرعون من أهل النار، وفيه تبت يدا أبي لهب وتب، قال عطاء: فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته: ما كانت وصية أبيك عند الموت؟ قال: دعاني أبي فقال لي: يا بني، اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، فإن مت على غير هذا دخلت النار، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد ": وهذا حديث غريب من هذا الوجه
___________________________
كَتَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أقدارَ الخَلائقِ في اللَّوحِ المَحفوظِ، وهي واقِعةٌ وَفْقَ ما قَضَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ وقَدَّرَ، وهي كِتابةُ عِلمٍ وإحاطةٍ بما سيَكونُ وليْست كِتابةَ جَبرٍ وإكراهٍ، ومِن خَصائصِ العقيدةِ الصَّحيحةِ في الإسلامِ الإيمانُ بالغيبِ، ومنها ما كان مِن عِلمِ الأزَلِ عِندَ اللهِ سبحانَه وتَعالَى.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ «كَتَبَ» أي: أمَرَ القَلمَ أنْ يَكتُبَ في اللَّوحِ المَحفوظِ، «مَقاديرَ الخَلائقِ» وهو قَضاءُ اللهِ وحُكمُه الَّذي قَدَّره على الخلائقِ أزلًا قبْلَ وُجودِ الكائناتِ، فكَتَبَ عِلمَه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وقَبلَ أنْ يَخلُقَ السَّمواتِ والأرضَ بخَمسينَ ألفَ سنةٍ؛ فلا تَبديلَ ولا تَغييرَ؛ فكلُّ شَيءٍ كائنٍ إلى يومِ القيامةِ، فإنَّه مَكتوبٌ قدِ انتُهِيَ منه، فما أَصابَ العبدَ لم يَكُنْ لِيخطِئَه، وما أَخطأَه لم يَكُنْ لِيُصيبَه.
وكان عزَّ وجلَّ عَرشُه عَلى الماءِ قبْلَ خَلقِ السَّمواتِ والأرضِ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الماءَ والعرشَ كانَا مَبدأَ هذا العالَمِ؛ لِكَونِهما خُلقا قبْلَ خَلقِ السَّمواتِ والأرضِ.
والعَرْشُ: هو عرْشُ الرَّحمنِ الَّذي استوَى عليه جلَّ جلالُه، وهو أعْلَى المَخلوقاتِ وأكبرُها وأعظمُها، له قَوائِمُ، وله حَمَلةٌ مِن المَلائِكةِ يَحمِلونَه، وصَفَه اللهِ بأنَّه عظيمٌ وبأنَّه كريمٌ؛ فوصَفَه بالعَظمةِ مِن جِهةِ الكَمِّيَّةِ، وبالحُسنِ مِن جِهةِ الكَيفيَّةِ.