باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة 2
بطاقات دعوية
وعن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه ، فأعطى رجالا ، وترك رجالا ، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ، فحمد الله ، ثم أثنى عليه ، ثم قال : (( أما بعد ، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، ولكني إنما أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير ، منهم عمرو بن تغلب )) قال عمرو بن تغلب : فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم . رواه البخاري .
(( الهلع )) : هو أشد الجزع ، وقيل : الضجر .
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على أن يدخل الناس في دين الله أفواجا؛ فكان صلى الله عليه وسلم يتألف قلوبهم بما يحبون؛ فمن أحب المال أجزل له العطاء، ومن أحب الفخر وعظم المنزلة جعل له حظا منها، ومن كان شديد الإيمان وكل جزاءه إلى الله يكافئه على إيمانه
ويخبر عمرو بن تغلب رضي الله عنه في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه المال أو السبي -وهو ما يؤخذ من العدو من الأسرى، عبيدا أو إماء- أعطى بعض الناس؛ تأليفا لقلوبهم، وترك البعض الآخر ثقة بهم؛ لما منحهم الله من قوة الإيمان واليقين، ثم علم أن بعض من لم يأخذ عتبوا عليه عدم إعطائهم، فخطب صلى الله عليه وسلم وبين لهم أنه إنما يعطي أناسا ويمنع آخرين، ومن يمنعهم أحب إليه ممن أعطاهم، ولكنه يعطي بعض الناس لما يرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وهما شدة الخوف وعدم الصبر، ويترك بعضا ليس احتقارا لهم، ولا لنقص دينهم، ولا إهمالا لجانبهم؛ بل يكلهم إلى ما جعل الله في قلوبهم من النور والإيمان التام، ويثق بأنهم لا يتزلزل إيمانهم؛ لكماله، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمرو بن تغلب من بين من لم يعطهم ثقة في إيمانهم وما في قلوبهم من الخير، ولما سمع عمرو بن تغلب رضي الله عنه هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم قنع وفرح به، وقال: فوالله، ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم، وحمر النعم: كرام الإبل وأعلاها منزلة، وهو الذي لم يخالط حمرته شيء، والمعنى: ما أحب أن لي بدل كلمته صلى الله عليه وسلم متاع الحياة الدنيا.
وفي الحديث: توضيح الأعذار لإزالة ما في النفوس.
وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وطيب عشرته لأصحابه.
وفيه: بيان لتفاوت الإيمان في القلوب، وأنه يزيد وينقص.
وفيه: منقبة لعمرو بن تغلب وبيان لفضله رضي الله عنه.