باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة 6

بطاقات دعوية

باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة 6

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم )) متفق عليه .
(( المزعة )) بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة : القطعة .

المال من فتن الحياة الدنيا التي ينبغي للمؤمن أن يصون نفسه عن الحرص عليه، ويحترز من أن يتطلع إلى ما في أيدي الناس، ويجترئ على سؤالهم بغير حاجة، فيبوء بخزي الدنيا والآخرة
وفي الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان الذي يسأل الناس عن غير فقر وفاقة، وإنما يسأل تكثرا، ويذل نفسه، ويمتهن كرامته التي أوجب الله عليه صيانتها -يغضب الله عليه، فيذله ويهينه يوم القيامة كما أذل نفسه في الدنيا، ويفضحه على رؤوس الأشهاد، فيسلخ له وجهه كله، حتى يأتي أمام الناس وليس في وجهه قطعة لحم؛ جزاء وفاقا لما فعله في الدنيا من إراقة ماء وجهه
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس ستدنو يوم القيامة وتقترب من رؤوس العباد، ويشتد حرها، فيعرقون حتى يبلغ العرق نصف الأذن، وقد جاء في الروايات أن العرق يبلغ من الناس على قدر أعمالهم؛ ففي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما»، فبينما الناس كذلك ذهبوا إلى آدم واستغاثوا به، ثم بموسى، يلتمسون منهما الشفاعة لفصل القضاء، فلم يشفعا لهم، وفي حديث الشفاعة في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر أنهم ذهبوا إلى آدم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، والكل رفض واعتذر، فيذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيشفعه الله في خلقه، قال: «فيمشي حتى يأخذ صلى الله عليه وسلم بحلقة باب الجنة»، فيحمده أهل المحشر جميعا صلى الله عليه وسلم، وهذا هو مقام الشفاعة العظمى التي اختص بها صلى الله عليه وسلم، وهو إراحة أهل الموقف من أهواله بالقضاء بينهم والفراغ من حسابهم، وهو المقام المحمود الذي وعده الله
وفي اعتذار الأنبياء الواحد تلو الآخر عن قبول الشفاعة؛ قيل: إنهم صلوات الله عليهم أجمعين يقولون هذا تواضعا وإكبارا لما يسألونه، وقد تكون إشارة من كل واحد منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له، بل لغيره، وكل واحد منهم يدل على الآخر حتى انتهى الأمر إلى صاحبه، ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم معينا، وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: أن الجزاء من جنس العمل، حيث توعد الله المتسول تكثرا بسلخ وجهه يوم القيامة، كما أراق ماء وجهه في الدنيا؛ لأن السؤال مذلة، والله لا يرضى للمسلم أن يعرض نفسه لهذه المهانة إلا لضرورة.
وفيه: ذم سؤال الناس وتقبيحه
وفيه: دعوة إلى تحري وضع الصدقة فيمن صفته التعفف دون الإلحاح.
وفيه: إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.