باب الكراهية للرجل أن يكون لعانا 1
بطاقات دعوية
عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة. (م 8/ 24)
الدُّعاءُ على النَّاسِ بالشَّرِّ أو باللَّعنِ ليْس مِن صِفاتِ المسْلمِ؛ لأنَّ الإسلامَ يَحُضُّ على التَّراحُمِ والمودَّةِ وحُسنِ التَّعامُلِ بيْنَ النَّاسِ، والدُّعاءُ باللَّعنِ يَتعارَضُ مع هذه المعاني، ويُنافي أخلاقَ المؤمِنينَ الَّذين وَصَفهم اللهُ تَعالَى بالرَّحمةِ بيْنهم، والتَّعاوُنِ على البِرِّ والتَّقوى
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ زَيدُ بنُ أسلَمَ أنَّ الخليفةَ الأُمويَّ عبْدَ الملكِ بنَ مَرْوانَ أرسَلَ إلى التَّابعيَّةِ أُمِّ الدَّرداءِ الصُّغرى زَوجةِ الصَّحابيِّ أبي الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه -وكان يُؤخَذُ عنها العلمُ والفِقهُ- «بأَنجادٍ»، وهوَ ما يُزيَّنُ بهِ البَيتُ مِن الأَمتعَةِ، مثلَ الفُرُشِ والنَّمارقِ والسُّتُورِ والمِخدَّةِ والوِسادةِ، ونَحوِ ذلك، وكان ذلك هَديَّةً لها، وكان عبدُ الملِكِ بنُ مَرْوانَ يُرسِلُ إلى أُمِّ الدَّرداءِ لِتَحضُرَ عِنده، فتَبِيتُ عندَ نِسائهِ، ويَسأَلُها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما وَرَد في مُسنَدِ أحمَدَ، والمعنى: أنَّه أرسَلَ إليها الهديَّةَ ودَعاها أنْ تَبِيتَ عِنده مع نِسائهِ، وكانت قدْ بَلَغَت مِن الكِبَرِ عِتيًّا، وفي لَيلةٍ منَ اللَّيالي استَيقظَ عبدُ الملكِ ليلًا، فَنادى على خادِمَه، فكأَنَّه أَبطأَ عليهِ في المَجيءِ، فغَضِبَ منه فلَعَنَه، واللَّعنُ هو الدُّعاءُ بالإبعادِ والطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فلَمَّا أَصبحَ عبدُ الملِكِ، أخبَرَتْه أُمُّ الدَّرداءِ أنَّها قدْ سَمِعَتْه يَدْعو باللَّعنِ على خادمِه حِينما تَأخَّر عليه، وكأنَّها تُعاتِبُه على قَولِه ذلك، ثمَّ ذَكَرت له حَديثًا سَمِعَتْه مِن أبي الدَّرداءِ، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا يَكونُ اللَّعانونَ» وهُم الَّذين يَلعَنون غيْرَهم «شُفعاءَ» للنَّاسِ يوْمَ القيامةِ حينَ يَشفَعُ الصَّالحونَ لإِخوانِهمُ المؤمِنينَ مِن أهلِ المَعاصي والذُّنوبِ، «وَلا شُهداءَ»، أي: لا تُؤخَذُ مِنهمُ الشَّهادةُ عَلى الأُممِ بتَبليغِ رُسلِهم يَومَ القيامَةِ، وقيل: لا يَكونون شُهداءَ في الدُّنيا، فلا تُقبَلُ شَهادتُهم لفِسقِهم، ويَحتمِلُ أنَّهم لا يُرزَقون الشَّهادةَ، وهي القتلُ في سَبيلِ اللهِ تَعالَى
ولعلَّ السَّببَ في مَنعِ اللَّاعنِ مِن الشَّفاعةِ أنَّ اللَّعنَ مِن أبلَغِ الإساءةِ، والشَّفاعةُ إحسانٌ، فالمُسيءُ في هذه الدَّارِ باللَّعنِ سَلَبَه اللهُ الإحسانَ في الآخرةِ بالشَّفاعةِ، فإنَّ الإنسانَ إنَّما يَحصُدُ ما يَزرَعُ، والإساءةُ مانعةٌ مِن الشَّفاعةِ الَّتي هي إحسانٌ
وأمَّا مَنْعُه مِن الشَّهادةِ فإنَّ اللَّعنَ عَداوةٌ، وهي مُنافيةٌ للشَّهادةِ، ولهذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَيِّدَ الشُّفعاءِ وشَفيعَ الخلائقِ؛ لكَمالِ إحسانِه ورَأفتِه ورَحمتِه بهم
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن اللَّعنِ
وفيهِ: حطُّ شَأنِ اللَّعَّانِ عنْ دَرجةِ أَهلِ الصَّلاحِ والتَّقوى وَلو كانَ مُتَّصفًا بِهما