باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى14
بطاقات دعوية
وعن أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر - أو كلمة نحوها - وأحدثكم حديثا فاحفظوه»، قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح»
من الأعمال العظيمة التي تقرب إلى الله تعالى: التصدق بالمال، والعفو عن الظلم، والتعفف عما في أيدي الناس، والنية الصالحة تبلغ صاحبها المنازل العالية، وهي سبب لنيل الأجر والثواب الكبير، متى كانت صادقة وخالصة لله تعالى وفيما يرضي الله؛ والنية الفاسدة تكون على العكس من ذلك
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أقسم عليهن"، أي: أحلف عليهن، والمراد: أنه صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، يخبر عن ثلاثة أمور يؤكدهن بالقسم؛ وذلك بيان لأهميتهن والحرص عليهن، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم"، وأحدثكم حديثا فاحفظوه"، وهذا لمزيد التأكيد على أهمية ما يقول، وقيل: بل هو إخبار عن أهمية حديث آخر غير الذي يقسم عليه، ثم أخبرهم صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما نقص مال عبد من صدقة"، أي: ما قل مال عبد مسلم تصدق به، بل يبارك الله له فيه، أو بما وعده من مضاعفة الثواب والأجر يوم القيامة، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الخصلة الثانية، وهي: "ولا ظلم عبد"، أي: تعرض عبد لظلم "في مظلمة"، أي: في قول وفعل، "فصبر عليها"، أي: كان صابرا على هذا الظلم، بأن صفح وعفا، "زاده الله عزا"، أي: كان جزاؤه أن يزيده الله بهذا العفو والصبر عزا وشرفا، ومكانة عالية، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا فتح عبد باب مسألة"، أي: بأن يمد يده، ويسأل الناس ليستكثر من أموالهم في غير حاجة أو ضرورة، "إلا فتح الله عليه باب فقر"، أي: إن الله سبحانه وتعالى يفتح عليه باب احتياج، أو يسلب منه ما أنعم به عليه، "أو كلمة نحوها"، أي: كلمة في معناها
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأحدثكم"، أي: وأخبركم حديثا، "فاحفظوه"، أي: لعل الله تعالى أن ينفعكم به، "إنما الدنيا لأربعة"، أي: إن الدنيا يعيش فيها أربعة أصناف وأقسام من الناس؛ الأول: "عبد رزقه الله مالا وعلما"، أي: رجل مسلم أعطاه الله المال والعلم، "فهو يتقي ربه فيه"، أي: ينفقه فيما أمره الله، والتقوى: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؛ باتباع أوامره واجتناب نواهيه، "ويصل فيه رحمه"، أي: ينفق هذا المال في الإحسان إلى ذوي رحمه وأقاربه، "ويعلم لله فيه حقا"، أي: في المال، والمراد به إخراج زكاته، وقيل: بل المال والعلم معا، فهو يتصرف بهم على الوجه المرضي لله عز وجل، "فهذا بأفضل المنازل"، أي: فهذا من ينال الدرجات العليا، والثواب الجزيل
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصنف الثاني، فقال: "وعبد رزقه الله علما"، أي: أعطاه الله العلم والفقه في الدين، "ولم يرزقه مالا" أي: ولم يعطه المال، "فهو صادق النية"، أي: مخلص في قصده لله تعالى، "يقول: لو أن لي مالا"، أي: لو أن الله أعطاني المال، "لعملت بعمل فلان"، أي: لكنت أعرف حق الله في هذا المال من شكر هذه النعمة، وتصدقت على الفقراء، ووصلت به رحمي؛ "فهو بنيته"، أي: مجزي بهذا القصد الصادق الذي نواه إن أعطاه الله سبحانه وتعالى المال، "فأجرهما سواء"، أي: من رزق المال وعرف حق الله فيه، ومن لم يعطه المال، لكنه أخلص النية، فهما متساويان في الأجر والثواب.
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصنف الثالث، فقال: "وعبد رزقه الله مالا"، أي: آتاه الله المال، "ولم يرزقه علما"، أي: ولم يعطه العلم، "فهو يخبط في ماله"، أي: يستخدم هذا المال ويتصرف فيه "بغير علم"، أي: عن جهل، "لا يتقي فيه ربه"، أي: فهو لا يخاف الله في ماله، "ولا يصل فيه رحمه"، أي: ويكون قاطعا به صلة الرحم لا ينفق منه شيئا، "ولا يعلم لله فيه حقا"، أي: ولا يؤدي شكر هذه النعمة، "فهو"، أي: هذا الصنف من الناس "بأخبث المنازل"، أي: يكون في أحقر مكانة عند الله تعالى؛ لأنه ارتكب إثما بما أتلف، وضيع من ماله بغير علم
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصنف الرابع، فقال: "وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما"، أي: والصنف الرابع من الناس هو عبد لم يؤته الله مالا ولم يعطه علما "فهو يقول"، أي: هذا الرجل الذي فقد المال والعلم: "لو أن لي مالا"، أي: لو أعطيت المال "لعملت فيه بعمل فلان"، أي: لأنفقته على الشهوات والحصول على الملذات، "فهو بنيته"، أي: إنه يعاقب بهذا القصد السيئ "فوزرهما سواء"، أي: يكونان في الإثم والذنب متساويين
وهذا الحديث لا ينافي خبر: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل به"؛ لأنه عمل هنا بالقول اللساني، والمتجاوز عنه هو القول النفساني، وقيل: لأن هذا إذا لم يوطن نفسه ولم يستقر قلبه بفعلها، فإن عزم واستقر يكتب معصية وإن لم يعمل ولم يتكلم
وفي الحديث: من محاسن الأسلوب النبوي: استخدام أسلوب التشويق في التعليم
وفيه: الحث على الإنفاق في سبيل الله عز وجل، والعفو والصفح على من ظلم.
وفيه: التحذير والترهيب من سؤال الناس أموالهم في غير حاجة أو ضرورة.
وفيه: فضل العلم والمال إذا أقيم فيهما بما يرضي الله عز وجل.