باب الكسوة للأسارى
بطاقات دعوية
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر؛ أتي بأسارى، وأتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - له قميصا (84)، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر (85) عليه، فكساه النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، فلذلك نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه الذي ألبسه.
قال ابن عيينة: كانت له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يد، فأحب أن يكافئه.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُراعي أحوالَ الناسِ، ويُكافئُ على الإحسانِ بالإحسانِ، ولا يَرُدُّ على السَّيِّئةِ بمِثلِها.
وكان عَبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلولَ رَأسَ المُنافِقينَ في المَدينةِ، وكان يُبطِنُ عَداوةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسلِمينَ، ولكِنْ لم يَمنَعْ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُكافِئَه على بَعضِ الأُمورِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ العَبَّاسَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ رَضيَ اللهُ عنه وَقَعَ أسيرًا في يَدِ المُسلِمينَ في غَزوةِ بَدْرٍ التي وَقَعتْ بيْنَ المُسلِمينَ ومُشرِكي مَكَّةَ في المَدينةِ، في السَّنةِ الثَّانيةِ مِنَ الهِجرةِ، فأُتيَ به ولم يَكُنْ عليه ثَوبٌ، فالْتَمَسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له ثَوبًا، فلم يَجِدْ قَميصًا يَصلُحُ له إلَّا قَميصَ عَبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ ابنِ سَلُولَ رأْسِ المُنافِقينَ، فطَلَبَه منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعطاهُ إيَّاه، فكَسَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَمَّه العَبَّاسَ هذا القَميصَ، وكافَأ ابنَ سَلُولَ بعْدَ مَوتِه؛ بأنْ نَزَعَ قَميصَه الشَّريفَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأعطاهُ لِوَلَدِه؛ لِيُكَفِّنوه فيه، وذلك لِليَدِ -أيِ: الجَميلِ- التي كانت عليه لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرَدَّ له جَميلَه الذي فَعَلَه في عَمِّه العَبَّاسِ، وصَلَّى عليه صَلاةَ الجِنازةِ، ودَخَلَ قَبرَه بِناءً على رَغبةِ ابنِه عَبدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ، وقيلَ: إنَّما فَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع عَبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ما فَعَلَ لِكَمالِ شَفَقَتِه على مَن تَعلَّقَ بطَرَفٍ مِنَ الدِّينِ، ولِتَطْييبِ قَلبِ وَلَدِه عَبدِ اللهِ، الرَّجُلِ الصالِحِ، ولِتَأليفِ قَومِه مِنَ الخَزرَجِ؛ لِرِياسَتِه فيهم.
وفي الحَديثِ: كِسوةُ الأسْرى والإحسانُ إليهم.
وفيه: مَشروعيَّةُ المُكافأةِ على النِّعمةِ التي تُسدَى إلى قَريبِ الرَّجُلِ إذا كان ذلك إكرامًا له في قَريبِه، ولم يَطلُبْها القَريبُ.
وفيه: أنَّ المُكافأةَ تَكونُ في الحَياةِ وبعْدَ المَماتِ.