باب اللدود 3
بطاقات دعوية
عن أم قيس [بنت محصن الأسدية: أسد خزيمة، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أخت عكاشة 7/ 18]، قالت: دخلت بابن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أعلقت (وفي رواية: علقت 7/ 19) (9) عليه من العذرة، فقال:
" [اتقوا الله] على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟! عليكن بهذا العود الهندي؛ فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب، يسعط من العذرة، ويلد من ذات الجنب". [يريد الكست، [يعني القسط، قال: وهي لغة]، وهو العود الهندي]، فسمعت الزهري يقول: بين لنا اثنين، ولم يبين لنا خمسة، قلت لسفيان: فإن معمرا يقول: أعلقت عليه؟ قال: لم يحفظ، إنما قال: أعلقت عنه، حفظته من في الزهري، ووصف سفيان الغلام يحنك بالإصبع، وأدخل سفيان في حنكه. إنما يعني رفع حنكه بإصبعه، ولم يقل: أعلقوا عنه شيئا.
في هذ الحديثِ بعضٌ مِنَ الهَدْيِ النبَوِيِّ والإرشاداتِ النَّافِعةِ، فتروي أُمُّ قَيْسٍ بِنتُ مِحْصَنٍ رَضيَ اللهُ عنها، أنَّها سَمِعَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: «عَلَيكُم بِهَذا العُودِ الهِندِيِّ» فاستَعمِلُوهُ، وهو: خَشَبٌ طَيِّبُ الرائحةِ يؤتى به من الهندِ، فيه مرارةٌ يسيرةٌ؛ «فَإنَّ فيهِ سَبْعةَ أَشْفِيةٍ» وهي الأَدْويةُ المعالجةُ للأمراضِ، ومن فوائده أنَّه «يُسْتَعَطُ بِهِ»، فيدخُلُ مِنَ الأنْفِ، وتكونُ هيئةُ مَنْ يَستعمِلُهُ أنْ يَجلِسَ مُسْتَلْقِيًا جاعِلًا بيْن كَتِفَيْهِ ما يَرفَعُهما، ثمَّ يُقَطِّرَ هذا الدَّواءَ في أنفِهِ حتَّى يَصِلَ إلى دِماغِهِ، فيَخرُجَ الدَّاءُ بالعُطاسِ، ويكون ذلك للعِلاجِ مِن «العُذْرةِ»، وهي قَرْحةٌ تَخرُجُ بيْن الأنفِ والحَلْقِ، تُؤَدِّي إلى دَمٍ يَغلِبُ عليه البَلغَمُ، وقيل: هي ما يُعرَفُ بالتهابِ اللَّوزتينِ في الحَلْقِ
وَ«يُلَدُّ بِهِ» اللَّدُّ: نوعٌ مِن الدَّواءِ يُصَبُّ في أحدِ شِقَّي فَمِ المَريضِ -وهما جانباهُ- عندَ الأضراسِ، أو يُدخَلُ هناك بإصْبعِ وغيرِها، ويُحنَّكُ به؛ فيُتداوَى به مِن وَجَعِ «ذاتِ الجَنْبِ»، والمُرادُ به هُنا: ألَمٌ يَعرِضُ في نَواحي الجَنْبِ، عَن رِياحٍ غَليظةٍ تَحتَقِنُ بيْن الجِلدِ والعَضلِ الذي في الصَّدرِ والأضلاعِ، فَتُحدِثُ وَجَعًا. وقيل: هو الْتِهابُ غِلافِ الرِّئةِ، ويُسبِّبُ سُعالًا وحُمَّى ووجَعًا في الجنْبِ يَظهَرُ عندَ التَّنفُّسِ. ولعلَّه قال ذلك لأنَّ حالتَه مِن المرضِ تَقتضِي تناوُلَ الدَّواءِ على تِلك الهَيئةِ، أو علِمَ أنَّ تناوُلَه على هذِه الهَيئةِ أنفعُ وأيسرُ وأليقُ بحالتِه، وقد أُمِرَ الطَّبيبُ بذلك لكونِه أعْلَمَ بالدواءِ المناسِبِ وكَيفيَّةِ استِعمالِه. وَلَم يَذْكُرْ مِنَ الأشْفيةِ سِوى اثنَينِ، فَيُحتَمَلُ أنْ يَكونَ اختِصارًا مِن الرَّاوي
وَتَقولُ أُمُّ قَيْسٍ رَضيَ اللَّه عنها: وَدَخَلْتُ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِابنٍ لي صَغيرٍ، لمْ يَأكُلِ الطَّعامَ، تقصِدُ بذلك أنَّه في سِنِّ الرَّضاعِ ولم يُفطَمْ بَعْدُ، فَبالَ على ثوبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَدَعا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِماء، فَرَشَّ عليه وَلَمْ يَغسِلْه، وقد ورَدَ أنَّه يُنضَحُ على بَولِ الصبيِّ الذكَرِ إذا كان في الرَّضاعِ، فإذا كان يَأكُلُ فإنَّه يُغسَلُ الثَّوْبُ الذي يَبولُ عليه
وعند أبي داودَ من حديثِ لُبابةَ بنتِ الحارِثِ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إنَّما يُنضَحُ من بَولِ الذَّكَرِ، ويُغسَلُ من بَولِ الأُنْثى»، قيلَ: الحِكمةُ في التَّفريقِ بيْن بَولِ الصبيِّ وبَولِ البِنتِ: أنَّ بَولَها يكونُ أغلَظَ وأنتَنَ، فيَفتَقِرُ في إزالتِه إلى مَزيدِ مُبالَغةٍ، بخِلافِ بَولِ الصبيِّ. وقيلَ: لأنَّ بَولَ الذَّكَرِ يَخرُجُ بقُوَّةٍ وشِدَّةِ دَفعٍ، فيَنتَشِرُ، وتَكثُرُ الإصابةُ منه؛ فاقتَضَتِ الحِكمةُ التَّخفيفَ فيه، وأمَّا الجاريةُ فيَخرُجُ بَولُها ويَستَقِرُّ في مكانٍ واحدٍ
وفي الحَديثِ: حُسنُ خُلُقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَبْرُ قُلوبِ الكِبارِ بإكرامِ أطفالِهم وإجلاسِهم في الحَجْرِ، ونحْوِ ذلك