باب المجاهدة 5
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، وما شاء فعل ؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان )) رواه مسلم .
جاء النبي صلى الله عليه وسلم بتعاليم نافعة، ووصايا جامعة، تبث في المسلم الأمل والشجاعة والقوة، وتحوله إلى فرد نافع ومفيد يملأ الدنيا خيرا وعطاء وإحسانا
وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن «المؤمن القوي» يعني في إيمانه، وليس المراد بها قوة البدن، «خير وأحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف» وهو الذي في إيمانه ضعف، «وفي كل خير» أي: في كل واحد من القوي والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان، والقوة المحمودة تحتمل وجوها عديدة؛ فمنها القوة في الطاعة؛ فيكون المؤمن أكثر عملا، وأطول قياما، وأكثر صياما وجهادا وحجا. ومنها القوة في عزيمة النفس؛ فيكون أقدم على العدو في الجهاد وأشد عزيمة في تغيير المنكر والصبر على إيذاء العدو واحتمال المكروه والمشاق في ذات الله. ومنها القوة بالمال والغنى؛ فيكون أكثر نفقة في الخير وأقل ميلا إلى طلب الدنيا، والحرص على جمع شيء فيها، وغير ذلك من وجوه القوة، وإنما يذم منها التي تأتي بالتكبر والتجبر، والضعف الذي فيه خير هو الذي يكون من لين الجانب والانكسار لله عز وجل، ويذم منه ضعف العزيمة في القيام بحق الله عز وجل
ويوصي النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بقوله: «احرص على ما ينفعك» يعني: بالأخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأسباب اعتمد على مسبب الأسباب، وهو الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال بعد ذلك: «واستعن بالله»؛ لأن الإنسان إذا أخذ بالأسباب ولم يحصل له عون وتوفيق من الله تعالى، فلن يحصل ما يريده، فمجرد الأخذ بالأسباب لا يكفي، بل يحتاج إلى شيء وراءه، وهو توفيق الله وإعانته على حصول ذلك الشيء؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، والمراد بالأعمال النافعة: ما يعود على الإنسان بخيري الدنيا والآخرة من العبادات والأعمال الصالحة ونحو ذلك
ثم ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العجز، والمراد به هنا: الكسل، وهو ضد النشاط، وهو التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع وجود القدرة عليه؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه
فمن عمل بتلك الوصية وقام بها على وجهها الأكمل، ثم أصابته بعد ذلك مصيبة، فلا يقل: «لو أني فعلت كان كذا وكذا»؛ فإن هذا القول غير سديد، ولكن يقول مستسلما وراضيا، ومؤملا الخير: «قدر الله»، أي: وقع ذلك بمقتضى قضائه وعلى وفق قدره، «وما شاء فعل»؛ فإنه فعال لما يريد، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه
وبعد أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قول كلمة الشرط «لو» في مثل هذا الموضع، نبه على أنها «تفتح عمل الشيطان» من منازعة القدر، والتأسف على ما فات؛ لأن فيها الاعتراض على القدر، والتحسر من وقوعه، كأن يقول الإنسان حين تنزل به مصيبة: لو فعل كذا ما أصابه المرض! فالمسلم مطالب بالتسليم للقدر، فما أراده الله عز وجل واقع لا محالة؛ إذ قضاء الله وقدره لا يتخلف، فما دام الإنسان قد اجتهد في العمل، وأخذ بالأسباب، مستعينا بالله، وطلب الخير منه سبحانه؛ فلا عليه بعدها إلا أن يفوض أمره كله لله، وليعلم أن اختيار الله عز وجل هو الخير، حتى وإن كان ظاهر ما وقع له مكروها، ولا يستطيع أحد من الخلق دفع قدر الخالق عز وجل وتغييره دون إذن من الله، وإن اجتمعت لذلك الدنيا بما فيها
وفي الحديث: الأمر بفعل الأسباب والاستعانة بالله
وفيه: التسليم لأمر الله، والرضا بقدره عز وجل
وفيه: ثبوت صفة المحبة لله عز وجل
وفيه: أن الإيمان يشمل العقائد القلبية والأقوال والأفعال
وفيه: أن المؤمنين يتفاوتون في الخيرية، ومحبة الله والقيام بدينه، وأنهم في ذلك درجات