باب المريض يؤخذ من أظفاره وعانته

باب المريض يؤخذ من أظفاره وعانته

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب أخبرنى عمر بن جارية الثقفى حليف بنى زهرة - وكان من أصحاب أبى هريرة - عن أبى هريرة قال ابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا - وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر - فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا لقتله فاستعار من ابنة الحارث موسى يستحد بها فأعارته فدرج بنى لها وهى غافلة حتى أتته فوجدته مخليا وهو على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها فيها فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك. قال أبو داود روى هذه القصة شعيب بن أبى حمزة عن الزهرى قال أخبرنى عبيد الله بن عياض أن ابنة الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا - يعنى لقتله - استعار منها موسى يستحد بها فأعارته.

غزوة الرجيع كانت في صفر سنة أربع من الهجرة، والرجيع اسم لماء بين مكة وعسفان، وهو أقرب إلى عسفان، وهي قرية على مسافة ثمانين ميلا (128 كم تقريبا) من مكة شمالا على طريق المدينة
وفي هذا الحديث يروي أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عشرة رهط سرية عينا، والرهط: الجماعة من الرجال ما دون العشرة، وقيل: ما دون الأربعين، والسرية: هي القطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربع مئة رجل، والمراد بالعين: الذين يستطلعون أخبار العدو، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه، فانطلقوا حتى بلغوا موضعا اسمه الهدأة، وهو بين عسفان ومكة، وهو على سبعة أميال من عسفان، وذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، أي: عرف هذا الحي من هذيل بهذه السرية، فنفروا لهم، أي: فخرجت مجموعة من بني لحيان لتلك السرية يتبعونهم فيما يقارب مئتي رجل، كلهم يحسن رمي السهام، فتتبعوهم على ما يبقى من آثار لهم حتى وجدوا في تلك الآثار بقايا مأكلهم، وكان تمرا قد تزودوه من المدينة قبل خروجهم، ويثرب: اسم المدينة المنورة القديم، فلما عثروا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورآهم عاصم وأصحابه رضي الله عنهم، لجؤوا إلى فدفد -وهو المكان المرتفع- فحاصرهم فيه بنو لحيان، فأعطى بنو لحيان لعاصم ومن معه عهدا وميثاقا أن يستسلموا لهم وألا يقتلوا منهم أحدا، فقال عاصم رضي الله عنه أمير السرية: «أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر»، فرفض أن يكون في عهد كافر؛ لأنه يعلم أنهم سيغدرون به وأصحابه، ثم دعا الله قائلا: «اللهم أخبر عنا نبيك»، أي: بلغه خبرنا وما حدث لنا، فلما امتنع عاصم ومن معه عن الاستسلام لهم رموهم بالنبل، وهي السهام، فقتلوا عاصما أمير السرية في سبعة من رجال السرية، ونزل ثلاثة منهم على العهد والميثاق الذي أعطوه لهم، وهم: خبيب بن عدي الأنصاري، وزيد بن الدثنة الأنصاري، ورجل آخر، قيل هو: عبد الله بن طارق، فما أن نزل هؤلاء الثلاثة على عهدهم، واستمكن بنو لحيان منهم حتى أوثقوهم بأوتار قسيهم، وهي الحبال المشدودة التي تستخدم في رمي السهام، فلما رأى منهم الرجل الثالث عبد الله بن طارق غدرهم هذا، قال: هذا أول الغدر، وعلم أنهم سيستمرون في غدرهم لهم، فامتنع من الذهاب معهم، فغصبوه وجروه، فامتنع، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وابن دثنة، حتى باعوهما بمكة، وكان ذلك بعد غزوة بدر؛ إشارة لما ترتب على تلك الغزوة من بعض الثأر من المشركين مع المسلمين، واشترى بنو الحارث بن عامر خبيبا، وهم: عقبة وأبو سروعة ابنا الحارث، وأخوهما لأمهما حجير بن أبي إهاب، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فأصبح خبيب عند بني الحارث أسيرا، واشترى صفوان بن أمية الأسير الثاني، وهو ابن الدثنة، وقتله بمكة
ثم أخبر عبيد الله بن عياض -أحد رواة الحديث- أن زينب بنت الحارث أخبرته عن بعض ما حدث لخبيب عندهم؛ فأخبرته أنه لما اجتمع بنو الحارث لقتل خبيب، استعار خبيب منها موسى يستحد بها، أي: شفرة يزيل بها شعر العانة، فأعطته الشفرة التي طلبها. وكان قد اقترب ابن لها من خبيب رضي الله عنه حال وجود الشفرة بيده، وأمه غافلة عنه، فبحثت عن ابنها فوجدته يجلس على فخذ خبيب والشفرة بيد خبيب، فظنت أنه قاتله، ففزعت لولدها وخافت، فعرف خبيب ذلك في وجهها، فطمأنها، وقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك
ثم أخبرت بنت الحارث عن بعض كرامات حدثت لخبيب، فقالت: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب؛ لقد وجدته يوما يأكل من قطف -وهو العنقود- من عنب في يده وإنه مقيد بالحديد، وما بمكة من ثمر العنب شيء، وكانت تقول وتجزم: إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، وهذا من كراماته رضي الله عنه.
فلما عزموا على قتله، خرج به بنو الحارث من الحرم إلى الحل؛ ليقتلوه خارج الحرم المكي، فطلب منهم خبيب أن يدعوه يصلي ركعتين، فتركوه، ثم قال: لولا أن تظنوا أن بي خوفا وضجرا من قتلكم لي، لطولت صلاتي، ثم دعا عليهم بقوله: «اللهم أحصهم عددا»، أي: استأصلهم بالهلاك وعدم البقاء على أحد منهم. ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي
والشق: الجنب، والمصرع: الموت والهلاك
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
أي: إنه لا يبالي بالموت ما دام في سبيل الله، وإن يشأ الإله أن يبارك أعضاء جسد يقطع، والأوصال: المفاصل، والشلو: العضو من أعضاء الجسد، والممزع: المقطع، ثم قتله ابن الحارث بالتنعيم، وصلبه هناك، وكان خبيب رضي الله عنه هو من أول من سن ركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا، أي: محبوسا للقتل
وقد استجاب الله لعاصم بن ثابت رضي الله عنه يوم أصيب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصابهم من قتل. وكان عاصم قد قتل من قريش رجلا من عظمائهم، وهو عقبة بن أبي معيط، فلما أخبروا أنه قد قتل بعثوا ناسا لهم ليأتوا بقطعة من جسده يعرف بها ليتأكدوا من مقتله، فأرسل الله على جسده مثل الظلة من الدبر، والظلة: السحابة، والدبر: ذكور النحل، والمراد: أن الله حمى جسد عاصم من كفار قريش بتظليل ذكور النحل لجسده، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا
وفي الحديث: علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه: بيان أن الله تعالى يحفظ عباده المؤمنين في الحياة وبعد الممات، وأن الموت شهادة، ليس هلاكا للمسلم، وإنما هو كرامة وفضل
وفيه: أن المسلم الحق لا يغدر بمن غدر به
وفيه: منقبة وفضيلة ظاهرة لعاصم بن ثابت الأنصاري، وخبيب بن عدي رضي الله عنهما
وفيه: إثبات كرامات الأولياء، وحفظ الله تعالى لأوليائه وعباده الصالحين، واستجابته لدعوتهم