باب فى فضل من مات فى الطاعون

باب فى فضل من مات فى الطاعون

حدثنا القعنبى عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك - وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه - أنه أخبره أن عمه جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يجبه فاسترجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال « غلبنا عليك يا أبا الربيع ». فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية ». قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال « الموت ». قالت ابنته والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا فإنك كنت قد قضيت جهازك. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته وما تعدون الشهادة ». قالوا القتل فى سبيل الله. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « الشهادة سبع سوى القتل فى سبيل الله المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذى يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد ».

تفضل الله سبحانه على أمة الإسلام بنعم عظيمة وأجر كبير، ومن ذلك نيل أجر الشهادة لصور كثيرة من الوفاة

 وفي هذا الحديث بيان لبعض ذلك؛ حيث يخبر جبر بن عتيك، وقيل: جابر، وقيل: إنهما اثنان رضي الله عنه: "أنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده"، أي: يزوره، "فقال قائل من أهله: إن كنا لنرجو أن تكون وفاته قتل شهادة في سبيل الله"، أي: تمنى له أهله أن يكون موته شهيدا أفضل أن يموت على هذا الحال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شهداء أمتي إذن لقليل!"، أي: إذا لم تكن الشهادة إلا القتل فالشهداء قليلون من الأمة، ولكن الشهداء أنواع: "القتل في سبيل الله شهادة"، أي: القتل في المعركة بين المسلمين والكفار، "والمطعون شهادة"، أي: الميت بالطاعون أو الوباء العام، "والمرأة تموت بجمع شهادة- يعني الحامل-"، "والغرق"، الذي يموت غريقا "والحرق"، الذي يموت حريقا، "والمجنوب- يعني ذات الجنب- شهادة" وذات الجنب: التهاب غلاف الرئة ويسبب سعالا وحمى ووجعا في الجنب يظهر عند التنفس
وهذا من فضل الله العظيم على هذه الأمة؛ فهو الذي خلق الداء وقدر على عباده الفناء، وكتب لمن مات بهذه الأوصاف أن يمنحه أجر الشهادة، والمتأمل يرى أن تلك الميتات من أبشع وأشنع ما يموت عليه المرء؛ ففيها الكثير من المعاناة والألم، فجعل الله عوضهم عن ذلك بالشهادة وأجر الشهيد. ولكن الشهيد في الأصل هو من قتل مجاهدا في سبيل الله تعالى، وبه فقط تختص أحكام الشهيد الدنيوية- كعدم التكفين والتغسيل-؛ فلا تتناول غيره من أنواع الشهداء المذكورين في هذا الحديث وغيره
وفي الحديث: بيان أنواع شهداء الدنيا ومن لهم أجور الشهداء