باب الملاحم1

سنن ابن ماجه

باب الملاحم1

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: مال مكحول وابن أبي زكريا إلى خالد ابن معدان، وملت معهما، فحدثنا
عن جبير بن نفير، قال: قال لي جبير: انطلق بنا إلى ذي مخمر، وكان رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت معهما، فسأله عن الهدنة، فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستصالحكم الروم صلحا آمنا، ثم تغزون أنتم وهم عدوا، فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم تنصرفون، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل الصليب الصليب، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين، فيقوم إليه فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم، ويجمعون للملحمة" (1)

في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن حدَثٍ يقَعُ مُستقبَلًا؛ وهو فتْرَةٌ يكونُ فيها بين المسلِمين والرُّومِ صُلْحٌ، ثمَّ يَقومُ القِتالُ بين المسلِمين والرُّومِ بعد نقْضِ الرُّومِ العهْدَ الَّذي بينهم وبين المسلِمين، وفيه يقولُ جُبيرٌ: إنَّه سألَ ذا مِخْبَرٍ رجلًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن "الهُدْنَةِ"؛ وهي الفترَةُ الَّتي لا يكونُ فيها قِتالٌ بين المسلِمين والنَّصارى، فقال له: سمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ: "ستُصالِحون"، أي: يكونُ هناك صلْحٌ بينكم وبين الرُّومِ، ويكونُ "صُلحًا آمِنًا"، أي: يَحدُثُ فيهِ أمْنٌ، "فتَغزُون أنتم وهم عدُوًّا"، أي: سيكونُ بينكم وبينهم تَعاونٌ في غزْوِ عدُوٍّ مُشترَكٍ "من ورَائِكم"، أي: مِن خلْفِكم، "فتُنْصرون"، أي: يتحَقَّقُ لكم النَّصْرُ، وأيضًا "تَغْنَمون" وتَحصلون على الغَنائمِ من الأمْوالِ، "وتَسْلَمون"، أي: تَكون لكم السَّلامَةُ من القتْلِ والجرْحِ، "ثمَّ ترْجِعون"، أي: عن عدُوِّكم، "حتَّى تَنزِلوا بمرْجٍ ذي تُلولٍ"، أي: روْضَةٍ مُرتفِعَةٍ؛ وهي أرْضٌ واسِعَةٌ فيها نَباتٌ كَثيرٌ، "فيَرفَعُ رجلٌ من أهْلِ النَّصرانِيَّةِ الصَّليبَ"، أي: يَرفَعُ رجلٌ نَصرانيٌّ الصَّليبَ الَّذي يَعبُدُه؛ وهو رمْزٌ للنَّصارى فيقولُ: "غلَبَ الصَّليبُ"، أي: إنَّ النَّصرانيَّ يُرجِعُ النَّصْرَ للصَّليبِ، "فيَغْضبُ رجلٌ من المسلِمين فيدُقُّه"، أي: يكْسِرُ الصَّليبَ، "فعِند ذلك تغْدِرُ الرُّومُ"، أي: في هذا الوقْتِ يَغضَبُ الرُّومُ ويَنقُضون عهْدَهم مع المسلِمين، "وتَجمَعُ"، أي: تَحشِدُ الرُّومُ رِجالَها "للْمَلحَمَةِ"، أي: لقِتالِ المسلِمين.
وفي روايةٍ أُخرى زِيادةٌ فيها: "فيَثورُ المسلمون إلى أسلِحَتِهم"، أي: يُسرِعون إليها، "فيَقتَتِلون" مع الرُّومِ، "فيُكرِمُ اللهُ تلك العِصابَةَ بالشَّهادَةِ"، أي: يُكرِمُ اللهُ جماعَةَ المسلِمين الَّذين يُقاتِلون الرُّومَ بالشَّهادَةِ في سَبيلِه.