باب النجار
بطاقات دعوية
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن امرأة من الأنصار قالت (وفي رواية عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، (وفي طريق: كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب يقوم إلى جذع منها)، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل 4/ 173) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
يا رسول الله! ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا؟ قال:
"إن شئت". فعملت (وفي الرواية الأخرى: "إن شئتم". فجعلوا) له المنبر، فلما كان يوم الجمعة، قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر الذي صنع، فصاحت النخلة (38)التي كان يخطب عندها [صياح الصبي (وفي الطريق الأخرى: مثل أصوات العشار، حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوضع يده عليه 1/ 220)]، حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها، فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت، حتى استقرت، قال.
"بكت على ما كانت تسمع من الذكر"
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخطُبُ في أصحابِه وهو قائمٌ على قَدَمَيه، ويَستنِدُ على جِذعِ نخْلٍ، فلمَّا كثُرَ النَّاسُ بَدا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتَّخِذَ مِنبرًا مِن خَشَبٍ يَقِفُ ويَجلِسُ عليه أثناءَ خُطبِه.
وفي هذا الحَديثِ ذِكرٌ لقِصَّةِ اتِّخاذِ المِنبرِ، وبَيانُ حَنِينِ جِذْعِ النَّخلةِ وشَوْقِه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا تَرَكَه وصَعِد المِنبَرَ، وفيه يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ امرأةً مِن الأنصارِ عَرَضَت على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَصنَعَ له شَيئًا يَقعُدُ عليه عندَ الخُطْبةِ، فإنَّ لها خادِمًا يُجيدُ أعمالَ النِّجارةِ. فَوافَقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ذلك، وقال لها: إنْ شِئتِ افْعَلي.
وجاء في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أرسَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى امرأةٍ: انْظُري غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعمَلُ لي أعوادًا أُكلِّمُ النَّاسَ عليها»، فيَحتمِلُ أنَّها بَدَأَت أوَّلًا، وطَلَبَت مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَصنَعَ له المِنبرَ، فلمَّا بَدا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجتُه إليه أرْسَلَ إليها أنْ تَصنَعَه.
فأمَرَت المرأةُ غُلامَها أنْ يَصنَعَه، فلمَّا فَرَغَ منه، أُتِيَ به ووُضِعَ في المسجدِ النَّبويِّ، فلمَّا كان يومُ الجُمُعَةِ تَحوَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن جِذعِ النَّخلةِ الَّذي كان يَستنِدُ إليه أثناءَ خُطبتِه، وقَعَدَ على المِنبَرِ الجديدِ الَّذي صُنِع، فصاحَتِ النَّخلةُ حتَّى كادت تَنْشَقُّ، أي: صَدَر مِن جِذْعِ النَّخلةِ صَوتٌ مُرتفِعٌ، وهو صَوتُ الحَنِينِ والشَّوقِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَزَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن فَوْقِ المِنبَرِ حتَّى أخَذَها فضَمَّها إلى جَسدِه لِتَشعُرَ به، فبَدَأَت تَهْدَأُ شيئًا فشَيئًا كما يُسَكَّتُ الطِّفلُ الَّذِي يَصدُرُ منه الأَنِينُ، وهو الصَّوتُ المَخْنوقُ المَملوءُ بالحُزنِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوضِّحًا سَببَ البُكاءِ: «بكَتْ على ما كانتْ تَسْمَعُ مِن الذِّكرِ»، أي: على فِراقِ ما كانتْ تَسمَعُه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القُرآنِ العَظيمِ وممَّا يُحدِّثُ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ، ومُعجِزةٌ مِن مُعجزاتِه، حيثُ تَشعُرُ الجَماداتُ بوُجودِه وفِراقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: الوُقوفُ في الخُطبَةِ على أيِّ شَيءٍ مُرتفِعٍ، واتِّخاذُ المِنبَرِ في المساجِدِ.