باب النهي عن الأكل من ذروة الثريد1
سنن ابن ماجه
حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي
حدثنا عبد الله بن بسر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بقصعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك فيها" (2)
علَّم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّتَه التَّواضُعَ للهِ في كلِّ الأمورِ، وكان يَفعَلُ بنَفسِه ما يدُلُّ على ذلك؛ فيُعلِّمُنا بالفِعلِ كما يُعلِّمُنا بالقولِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ رضِيَ اللهُ عنه: "كان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَصْعةٌ"، والقَصعةُ: الإناءُ الكبيرُ مِن الخشَبِ، "يُقالُ لها"، أي: اسمُها: "الغَرَّاءُ، يَحمِلُها أربعةُ رجالٍ"، وهذا بَيانٌ لعِظَمِها وكِبَرِها، "فلمَّا أضحَوْا وسجَدوا الضُّحَى"، أي: أصبَحوا، وصلَّوْا صلاةَ الصُّبحِ، "أُتِي بتِلْك القَصْعةِ- يَعني: وقد ثُرِد فيها-"، أي: وُضِع فيها الثَّريدُ، والثَّريدُ: الخبزُ المُقطَّعُ الَّذي وُضِع عليه اللَّحْمُ والمَرَقُ، وكان مِن أفضَلِ طَعامِهم؛ "فالتَفُّوا عليها"، أي: اجتمَعوا حولَها للأكلِ، "فلمَّا كَثُروا"، أي: كان عددُ الآكِلين على القَصعةِ كثيرًا، "جَثا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: جلَس على رُكبَتَيْه.
فقال أعرابيٌّ: "ما هذه الجِلسةُ؟" قيل: كأنَّ الأعرابيَّ استَحقَرَها واستقَلَّها في مَنزِلةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إنَّ اللهَ جعَلني عَبدًا كريمًا"، أي: مُتواضعًا سَخيًّا، أي: تلك الجِلسةُ جِلسةُ تَواضُعٍ وإن عَظُم صاحِبُها لا جِلسةُ احتِقارٍ، "ولم يَجعَلْني جبَّارًا"، والجبَّارُ: هو المُتكبِّرُ المُتمرِّدُ بكِبْره، "عَنيدًا".
قال عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ: ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كُلوا مِن حَوالَيها"، أي: لِيَأكُلْ كلٌّ مِنكم ممَّا يَليه ومِن أطرافِها، "ودَعوا ذِرْوتَها"، أي: ولا تتعَجَّلوا إلى وَسطِها وأعلاها، "يُبارَكْ فيها" أي: إنَّ هذا سببٌ ليُبارِكَ اللهُ لكم في هذا الطَّعامِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ والإرشادُ إلى التَّواضعِ للهِ تعالى.
وفيه: أنَّ البَركةَ في الاجتِماعِ على الطَّعامِ معَ الأكلِ مِن جَوانبِه