باب الوصية بالنساء 2
بطاقات دعوية
وعن عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، وذكر الناقة والذي عقرها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز، عارم منيع في رهطه»، ثم ذكر النساء، فوعظ فيهن، فقال: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه» ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: «لم يضحك أحدكم مما يفعل؟! (1)». متفق عليه. (2)
«والعارم» بالعين المهملة والراء: هو الشرير المفسد، وقوله: «انبعث»، أي: قام بسرعة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة؛ ليعلمهم أمور الدين، ويوضح لهم ما يخفى عليهم، وليبلغوا من بعدهم
وفي هذا الحديث يروي الصحابي عبد الله بن زمعة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم -وهو يخطب- ذات مرة، فذكر بعض سير الأمم السابقة، ومن ذلك أنه ذكر ناقة نبي الله صالح عليه السلام الذي كان مرسلا إلى ثمود، كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا} [النمل: 45]، وكانت تلك الناقة قد طلبها قومه دليلا على صدق نبوته عليه السلام، فأخرجها الله لهم من صخرة انشقت وخرجت منها الناقة، وكانت من آيات الله لهم، فآمن بعضهم، وكذب الباقون، وحذرهم صالح عليه السلام من أن يمسوها بسوء، ولكنهم عصوا نبيهم وكذبوه، فعقروا الناقة ونحروها، فأخذهم الله بالعذاب الأليم، وذكر صلى الله عليه وسلم في خطبته هذه الذي عقرها، وهو قدار بن سالف، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال الله عز وجل فيه: {إذ انبعث أشقاها} [الشمس: 12]، أي: قام أشقى تلك القبيلة لعقر الناقة، والعقر: جرح البعير في يديه ليبرك على الأرض من الألم، فينحر؛ فالعقر كناية مشهورة عن النحر؛ لتلازمهما، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفة قدار بن سالف هذا، وبين أنه أجاب وقام إلى عقرها لما دعي إلى ذلك، وهو رجل شديد قوي عنده ما يحميه في قومه، مثل أبي زمعة، جد الصحابي عبد الله بن زمعة رضي الله عنه؛ في عزته ومنعته في قومه، وقد مات كافرا بمكة
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم في خطبته أيضا النساء وبعض ما يتعلق بهن؛ فوعظ الناس في الرفق بهن، فقال: «يعمد أحدكم»، أي: يقصد الزوج ويتوجه إلى زوجته فيضربها ضربا شديدا كأنه يجلد عبدا مملوكا لا حق له في الدفاع عن نفسه، ثم يأتي هذا الزوج آخر اليوم الذي ضرب امرأته فيه ويريد أن يجامعها! وهذا فيه الوصية بالنساء والإحجام عن ضربهن ضربا مبرحا، وفيه تنبيه على أن ضربهن بهذه الكيفية لا يصح؛ إذ كيف سيكون حال المرأة المضروبة عندما يريد زوجها أن يجامعها بعد هذا الضرب؟! وكيف سيكون للرجل طريق إلى قلبها؟! فهذا مما يفسد الحياة الزوجية؛ فإن المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إن كان ولا بد، فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام، فلا يفرط في الضرب، ولا يفرط في التأديب، بل على الرجال الترفق بهن أولا بالوعظ والنصيحة، فإن لم ينجع الوعظ فيهن فبالهجران والتفرق في مضاجعهن ثانيا، ثم التأديب بالضرب؛ لأن المقصود الإصلاح والدخول في الطاعة
ثم وعظ النبي صلى الله عليه وسلم الرجال في ضحكهم من الضرطة، وهي الصوت المصاحب لخروج الريح من الدبر، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لم يضحك أحدكم مما يفعل؟!»، وهذا استفهام إنكاري الغرض منه النهي عن الضحك، فنهاهم صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك مخل بالمروءة، ولأن كل إنسان يقع منه هذا الأمر، فلا داعي لاستغرابه من غيره، وهذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم توجيه وإرشاد مع الأمر بالإغماض، والتجاهل، والإعراض عن سماع صوت الضراط
وفي الحديث: أن ذكر قصص السابقين وأحوالهم وعاقبة فعلهم، وسيلة دعوية نافعة لتقريب المعاني وأخذ العبرة والعظة
وفيه: الأمر بحسن معاشرة النساء.
وفيه: وعظ الحاكم والأمير لرعيته، وتوجيههم لما فيه مصلحتهم.