باب الوضوء بالنبيذ
بطاقات دعوية
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، عن داود، عن عامر ، عن علقمة، قال: قلت لعبد الله بن مسعود: من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟، فقال: «ما كان معه منا أحد»
كانت غزوة الأحزاب شديدة الوقع على المسلمين؛ فقد اجتمع عليهم الكفار واليهود ومن تابعهم وحاصروا المدينة، واضطر المسلمون إلى حفر خندق حول المدينة لحمايتها، فاجتمعت هذه الشدائد وغيرها على المسلمين، ومع ذلك صبروا حتى نصرهم الله
وفي هذا الحديث يروي التابعي يزيد بن شريك أنهم كانوا عند الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، فقال رجل من الحاضرين: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: زمانه- لقاتلت معه وأبليت، أي: بالغت في نصرته، كأنه أراد الزيادة على نصرة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له حذيفة رضي الله عنه متعجبا ومنكرا: «أنت كنت تفعل ذلك؟!» كأنه فهم من هذا السائل أنه قام بباله أنه كان يفعل أكثر مما كان الصحابة يفعلونه، ويأتي بأبلغ مما أتوا به، فأخبره حذيفة رضي الله عنه بخبره ليلة الأحزاب، وهي غزوة الخندق في السنة الرابعة من الهجرة، وسميت بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة، وسميت الأحزاب لاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين، وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم، فأخبره أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابتهم ريح شديدة، وقر، وهو البرد القارس الذي يجعل الإنسان يقرقر بأسنانه، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم؟» يندبهم ويحثهم على الذهاب لمعسكر المشركين؛ ليعرف أخبارهم وعددهم وما ينوونه، ولشدة الحال التي كانوا عليها، جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء على ذلك أن هذا الصحابي يحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فسكت الصحابة رضي الله عنهم ولم يجب منه أحد على غير عادتهم، فكرر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم طلبه والجزاء عليه، وهذا التكرار ترغيب في الثواب لينهض طوعا، فإن عاد عاد مأجورا، وإن قتل قتل شهيدا، وفي كل مرة يدعوهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبه أحد حين دعاهم، وهذا يدل على مدى شدة المشقة والتعب الذي لحق بالصحابة رضي الله عنهم في تلك الغزوة، وإلا فإنهم كانوا أسرع الناس إجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم شوقا إلى الاستشهاد في سبيل الله، وأقواهم استعدادا لاقتحام المخاطر والمتاعب في سبيل الله تعالى، ولم يكونوا ليتخلفوا عما يدعوهم إليه صلى الله عليه وسلم بهذه البشارة العظيمة ثلاث مرات، فسكوتهم في ذلك الحين لا يمكن إلا إذا بلغوا من التعب والنصب نهايته، بما أداهم إلى حال الاضطرار الشديد
فقال صلى الله عليه وسلم: «قم يا حذيفة، فأتنا بخبر القوم» فوقع اختيار النبي صلى الله عليه وسلم على حذيفة رضي الله عنه، وعينه بالدعوة فوجبت عليه الإجابة، ولذلك قال حذيفة رضي الله عنه: «فلم أجد بدا -إذ دعاني باسمي- أن أقوم» إلى المهمة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم علي»، يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب إليهم ويدخل فيهم دون أن يشعروا به، فيكون سببا لنفرتهم أو أسرهم له، فيرتد الضرر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما ولى حذيفة رضي الله عنه، وذهب من عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يمشي في «حمام» الحمام من الحميم، وهو: الماء الحار، والمعنى: أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس ولا من تلك الريح الشديدة شيئا، بل عافاه الله منه ببركة إجابته للنبي صلى الله عليه وسلم وذهابه فيما وجهه له، ودعائه صلى الله عليه وسلم له حتى أتاهم حذيفة رضي الله عنه، فرأى أبا سفيان بن حرب قائد المشركين حينئذ «يصلي» بفتح الياء وتخفيف اللام، أي: يدفئ ظهره بالنار ويقربه منه، فوضع سهما في «كبد القوس» أي: في وسطها، فأراد أن يرميه على أبي سفيان؛ ليقتله، فتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا تذعرهم علي»، فتوقف عن ذلك بالرغم من أنه لو رماه به لأصابه، فلما علم أخبار القوم رجع وهو يمشي في مثل الحمام، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبر القوم، ولما أن فرغ مما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، أصابه البرد الذي يجده الناس مرة أخرى، فغطاه صلى الله عليه وسلم بما بقي من «عباءة» كان يلبسها، وهي كساء يلبس من فوق الثياب، وكانت عليه يصلي فيها، فلم يزل نائما حتى أصبح وطلع الفجر، فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم له: «قم يا نومان» أي: قم يا كثير النوم واستيقظ للصلاة
وفي الحديث: فضل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وتشريفه بلبس عباءة النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن نظره وفراسته
وفيه: أن من هديه صلى الله عليه وسلم إرسال العيون لمعرفة أخبار العدو
وفيه: آية ومعجزة من آياته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم، حيث لم يصب حذيفة من القر وبرد تلك الريح شيء ببركة إجابة حذيفة للنبي صلى الله عليه وسلم أو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، ثم لما رجع وأخبره بخبر القوم أصابه البرد الذي كان يجده الناس