باب الوفاء بالنذر 3

سنن ابن ماجه

باب الوفاء بالنذر 3

 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي
عن ميمونة بنت كردم اليسارية: أن أباها لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي رديفة له، فقال: إني نذرت أن أنحر ببوانة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل بها وثن؟ " قال: لا. قال: "أوف بنذرك" (1).

حرَص النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم على مُخالفةِ أفعالِ الجاهليَّةِ، والبُعدِ عن كلِّ أفعالِ الكفَّارِ، وفي هذا الحديثِ تَحْكي ميمونةُ بنتُ كَرْدَمٍ فتقول: "خرَجتُ معَ أبي في حَجَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: حَجَّةِ الوَداعِ، "فرَأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، وسَمعتُ النَّاسَ يَقولون: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، فجعَلتُ أُبِدُّه بصَري"، أي: أُتبِعُه بصَري ولا أَحيدُ عنه، "فدَنا إليه أبي"، أي: اقتَرَب مِنه، "وهو على ناقةٍ له معَه دِرَّةٌ كدِرَّةِ الكُتَّابِ"، والدِّرَّةُ: هي آلةُ الضَّربِ، والمرادُ بها العَصا، أو السَّوطُ، والكُتَّابُ: هو مكانُ تَعليمِ الصِّغارِ، قالت: "فسَمِعتُ الأعرابَ والنَّاسَ يَقولون: الطَّبطبيَّةَ الطَّبطبيَّةَ"، يَحتمِلُ أن يَكونَ المرادُ: وقْعَ الأقدامِ، فيَكونَ المعنى: أنَّ النَّاسَ أخَذوا يَسعَوْن إليه، ولأقدامِهم أصواتٌ طَبْ طَبْ، وقيلَ: هو كِنايةٌ عن صَوتِ الدِّرَّةِ، فكأنَّ النَّاسَ يَقولون: احذَروا أن تُصيبَكم، قالت: "فدَنا إليه أبي، فأخَذ بقدَمِه"، وذلك ليَتكلَّمَ معه ويأخُذَ انتِباهَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، قالت: "فأقَرَّ له"، أي: آمَن به وأقرَّ برِسالَتِه، ووقَف "فاستمَع منه".
فقال له: "يا رسولَ اللهِ، إنِّي نذَرتُ إنْ وُلِد لي ولَدٌ ذكَرٌ أن أنحَرَ على رأسِ بُوانَةَ في عقَبةٍ مِن الثَّنايا"، في طريقٍ من الطُّرقِ الَّتي بالجبالِ، وبُوانَةُ: هضَبةٌ وراءَ يَنبُعَ، قريبةٌ مِن ساحلِ البحرِ، "عدَّةً مِن الغنَمِ"، أي: أذبَحَ عدَدًا مِنها، قال الرَّاوي: "لا أعلَمُ إلَّا أنَّها قالَت: خَمسين"، أي: خَمسينَ مِن الغنَمِ، "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: هل بها مِن الأوثانِ شيءٌ؟" أي: الأصنام، "قال: لا، قال: فأوفِ بِما نذَرتَ به للهِ. قالَت: فجَمَعها"، أي: الغنَمَ، "فجعَل يَذبَحُها، فانفلَتَت مِنها شاةٌ"، أي: ضاعَت وشَرَدَت، "فطلَبَها وهو يَقولُ: اللَّهمَّ أوفِ عنِّي نَذْري"، أي: أعِنِّي على إيجادِ الشَّاةِ؛ لاستِيفاءِ ما نذَرتُ به، قالت: "فظَفِرَها"، أي: وجَدَها، "فذبَحَها".