باب الوقوف بعرفة
بطاقات دعوية
عن هشامِ بن عُروةَ: قال عُروةُ: كان الناس يَطوفونَ في الجاهليةِ عُراةً؛ إلا الحُمْسَ والحُمسُ قُريْشٌ؛ وما ولَدتْ، وكانتِ الحُمسُ يحتسِبونَ على الناسِ، يُعطي الرجلُ الرجلَ الثيابَ يَطوفُ فيها، وتُعطي المرأةُ المرأةَ الثيابَ تطوفُ فيها، فمنْ لم تعطِهِ الحُمسُ طافَ بالبيتِ عُرياناً! وكان يُفِيضُ جماعةُ الناسِ من عرفاتٍ، وتُفيضُ الحُمسُ من جمْع، قال: وأَخبرَني أَبي عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ هذه الآيةَ نزَلتْ في الحُمسِ. (وفي روايةٍ: كانت قريشٌ ومن دان دينَها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمَّوْن الحُمسَ، وكان سائرُ العربِ يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أَمر الله نبيّه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عرفات ثم يقفَ بها، ثم يفيضَ منها؛ فذلك قوله تعالى): {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، قال: كانوا يُفيضون من جمْعٍ، فدُفعوا إلى عرفاتٍ.
نَفَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما كان في الحَجِّ مِن أعمالِ الجاهليَّةِ، وأقَرَّ ما أمَرَه اللهُ سُبحانَه وتعالَى بإقرارِه.
وفي هذا الحَديثِ يَروي التَّابِعيُّ عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ النَّاسَ كانوا يَطوفونَ في الجاهليَّةِ بالكَعبةِ عُراةً، إلَّا الحُمْسَ، والحُمْسُ: هم: قُرَيشٌ، وكِنانَةُ، وجَديلَةُ؛ سُمُّوا بذلك؛ لِتَحَمُّسِهم وتَشَدُّدِهم في دِينِهم، وكانتِ الحُمْسُ يُعطونَ النَّاسَ حِسبةً للهِ، فيُعطي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيابَ يَطوفُ فيها، وتُعطي المَرأةُ المَرأةَ الثِّيابَ تَطوفُ فيها، فمَن لم تُعطِه الحُمْسُ ثِيابًا طاف بالبَيتِ عُريانًا.
وكان يُفيضُ جَماعةُ النَّاسِ -غيرَ الحُمْسِ- يُدفَعونَ مِن عَرَفاتٍ، وتُفيضُ الحُمْسُ مِن جَمْعٍ، وهي المُزدَلِفةُ، ولا يَتجاوَزونَها إلى عَرَفةَ؛ لِئلَّا يَخرُجوا عن حُدودِ الحَرَمِ الذي شَرَّفَهمُ اللهُ بسُكناه، وجَعَلَه عِصمةً لدِمائِهم وأموالِهم، وعَرَفةُ ليسَتْ مِنَ الحَرمِ.
ويَحكي عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ خالَتَه أُمَّ المُؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها أخبَرَتْ أنَّ آيةَ {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] نزَلَتْ في الحُمْسِ؛ لِأنَّهم كانوا يُفيضونَ مِن جَمْعٍ مِنَ المُزدَلِفةِ، وهي المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بَعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ ويَبِيتونَ فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَيِ (12 كم).
فدُفِعوا وأُمِروا بالذَّهابِ إلى عَرَفاتٍ؛ لِيَقِفوا بها، ثم يُفيضوا منها إلى مُزدَلِفةَ مع بَقيَّةِ النَّاسِ، وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يَقَعُ على الطَّريقِ بَيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، يَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيِ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدَلِفةَ.