باب الوقوف عند الشبهات2
سنن ابن ماجه
حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا جعفر بن سليمان، عن المعلى ابن زياد، عن معاوية بن قرة
عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العبادة في الهرج، كهجرة إلي"
في الزَّمنِ الأَوَّلِ زمنِ الهِجرةِ كانَ النَّاسُ يَفِرُّون مِن دارِ الكُفْرِ وأَهلِه إلى دارِ الإِيمانِ وأَهلِه، فإذا وَقعتِ الفِتنُ فإنَّ المَرءَ يَفِرُّ بِدينِه مِنَ الفِتَنِ إلى العِبادةِ، ويَهجُرُ أُولئكَ الأَقوام في تلكَ الحالةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ العِبادةَ في الهَرْجِ -وهو وقتُ الفِتَنِ واختِلاطِ الأُمورِ وتَخبُّطِ النَّاسِ في فَسادِ الدُّنيا وانهماكِهِم فيه- كهِجرةٍ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أي: كثَوابِ الهِجرةِ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ يوْمَ أنْ كانتِ الهجرةُ واجبةً، وسَببُ كَثرةِ فَضلِ العبادةِ في هذا الوقتِ: أنَّ النَّاسَ يَغفُلون عنِ العِبادةِ في تلكَ الأوقاتِ ويَشتَغلونَ عنها ولا يَتفرَّغُ لَها إلَّا قَليلون، ولأنَّ الهِجرةَ تَبْتني على تَركِ الوطنِ والدَّارِ ورَغائبِها للهِ، والعبادةُ في الهرْجِ أيضًا تَبْتَني على تَركِ رَغائبِ الدُّنيا للهِ، وكما أنَّ المهاجرينَ في أوَّلِ الأمرِ كانوا قَلِيلين؛ لعدَمِ تَمكُّنِ أكثرِ النَّاسِ مِن ذلكَ، فهَكذا العابِدون في الهرْجِ قَلِيلون.
وفي الحديثِ: عِظَمُ قَدْرِ العبادةِ أيَّامَ الفتنةِ.