باب الوليمة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت البناني
عن أنس بن مالك، قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، فإنه ذبح شاة (2).
الوَليمةُ مِن سُننِ النِّكاحِ، وهي مِن الآدابِ الاجْتِماعيَّةِ التي جاءَ بها الإسلامُ، وهي شِيمةٌ مِن شِيَمِ الكِرامِ، وتقَعُ على كلِّ دَعوةٍ تُتَّخَذُ لِسُرورٍ، مِثلِ النكاحِ أو الخِتانِ أو غيرِهِما، لكنَّ الأشهرَ استِعمالُها عندَ الإطلاقِ في النِّكاحِ، ومِن فَوائِدها الشُّهرةُ والإعلانُ والذِّكرى، والاستزادةُ مِن الدُّعاءِ بالبركةِ في الأهلِ والمالِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما صَنَعَ طَعامَ وَلِيمةٍ لعُرسٍ مِن أعراسِهِ مِثلَ الطَّعامِ الذي صَنَعهُ في عُرسِهِ على أمِّ المُؤمِنينَ زَينبَ بنتِ جَحْشٍ رضِيَ الله عنها؛ فقدْ أَوْلَمَ عليْها بِشاةٍ، لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَوْلَمَ على صفيَّةَ وَلِيمةَ حَيْسٍ، وهو التَّمرُ مع السَّمنِ، وليسَ فيه خُبزٌ ولا لَحمٌ، وأَوْلَم على غَيرِها بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ، كما عند البُخاريِّ.
وكأنَّ أنسًا رضِيَ اللهُ عنه أرادَ أنَّه وقَعَ في وَليمةِ زيْنبَ بالشَّاةِ مِن البركةِ في الطَّعامِ ما لم يقَعْ في غيْرِها؛ فإنَّه أشْبعَ النَّاسَ خُبزًا ولحْمًا؛ وهذا فَعَلَه إمَّا شُكرًا لنِعمةِ اللهِ تعالَى؛ إذ زوَّجَه زَينبَ بنتَ جَحشٍ بالوحْيِ، لا بِوَليٍّ وشُهودٍ بخِلافِ غيرِها. وإمَّا وقَعَ اتِّفاقًا لا قصْدًا، ولوْ وجَدَ في زواجِه على الأُخرَياتِ شاةً أو أكبَرَ منها لأَوْلَمَ بها؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ أجودَ النَّاسِ وأكرَمَهُم.
وقد ورَد اختِلافُ فِعْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الوَلائمِ على زَوْجاتِه، وهو يَدُلُّ على أنَّ الولِيمَةَ تكونُ بأيِّ شَيءٍ يَقدِرُ عليه المسلِمُ وقْتَ الزَّواجِ دونَ إسْرافٍ وفخْرٍ، وليس في قوْلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعبدِ الرَّحمنِ بنِ عوْفٍ في الصَّحيحينِ: «أوْلِمْ ولو بشَاةٍ» منْعٌ لِمَا دون ذلك، وإنما جعَل الشَّاةَ غايَةً في التَّقليلِ؛ لِيَسارِ عبدِ الرَّحمنِ وغِناهُ، وأنَّها ممَّا يُستطاعُ.