باب شدة الزمان1
سنن ابن ماجه
حدثنا غياث بن جعفر الرحبي، حدثنا الوليد بن مسلم، سمعت ابن جابر يقول: سمعت أبا عبد رب يقول:
سمعت معاوية يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة" (1)
الدُّنيا دارُ ابتلاءاتٍ ومِحَنٍ، والحَصيفُ مَن تَحرَّزَ لِنَفسِه ولِدينِه؛ حتَّى لا يقَعَ في الفِتَنِ ولِيَنجُوَ منها، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سُبلَ النَّجاةِ مِن هذه الفِتنِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ معاويةُ بنُ أبي سُفيانَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "إنَّه لم يَبْقَ مِن الدُّنْيَا إلَّا بلاءٌ وفِتنةٌ"، أي: إنَّ الدُّنيا مَملوءةٌ بالفِتنِ والبلاءِ، حتَّى كأنَّه قد انتَهى مِنها كلُّ خيرٍ، ولم يَبقَ إلَّا الشَّرُّ والفِتَنُ والبلاءُ كَما هُو شَأْنُ آخِرِ الشَّيْءِ ونِهايَتِه عادَةً، يَذهَبُ صَفوُه، ويَبْقى كَدَرُه،وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الفِتَنِ الَّتي تكونُ كقِطَعِ اللَّيلِ المظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجلُ فيها مؤمِنًا، ويُمْسي كافِرًا، ويُمْسي مؤمِنًا ويُصبِحُ كافرًا، يَبيعُ دينَه بعَرَضٍ مِن الدُّنْيا.
وكانتْ أوائِلُ تلك الفِتَنِ بعدَ موتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حينَما وقَعَتِ الرِّدَّةُ في عهدِ أبي بَكرٍ رَضِي اللهُ عَنه، ثمَّ اشتَدَّت الفِتنُ بمقتَلِ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنه، وما حدَث بعدَ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنه، ونشَأ مِن تلك الفِتنِ مِن قتْلِ عُثمانَ رَضِي اللهُ عَنه، وما ترتَّب عليه مِن إراقةِ الدِّماءِ، وتَفرُّقِ القُلوبِ وظُهورِ فِتَنِ الدِّينِ؛ كبِدَعِ الخَوارِجِ المارِقين مِن الدِّين، ثمَّ ظُهورِ بِدَعِ أهلِ القدَرِ والرَّفضِ ونَحوِهم، وهذا كلُّه مِن الفِتنةِ الَّتي تَموجُ كمَوجِ البحرِ.
وفي الحديثِ: بيانُ مُعجزةٍ مِن مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الفِتنِ الَّتي تقَعُ بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.