باب الآيات2
سنن ابن ماجه
حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو ابن الحارث، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد
عن أنس بن مالك، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، ودابة الأرض، والدجال، وخويصة أحدكم، وأمر العامة" (2)
للسَّاعةِ عَلاماتٌ لنْ تَقومَ القِيامةُ إلَّا بَعدَ وُقوعِها؛ منها عَلاماتٌ صُغرَى، ومنها عَلاماتٌ كُبرَى، والفَرقُ بيْن العَلاماتِ الصُّغرَى والكُبرَى: أنَّ الكُبرى تكونُ أقرَبَ لقيامِ السَّاعةِ، وعَدَدُها قليلٌ، ومُتتاليةٌ، ولم يَقَعْ شَيءٌ منها حتَّى الآنَ، أمَّا الصُّغْرى فهي كَثيرةٌ ومُتباعِدةٌ، ووقَعَ كَثيرٌ منها.
وفي هذا الحديثِ يُرشِدُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَولِه: «بادِروا بالأَعمالِ» أي: سارِعوا وسابِقوا بِالاشتِغالِ بالأَعمالِ الصَّالحةِ قبْلَ وُقوعِ ستِّ عَلاماتٍ تدُلُّ على قُربِ وُقوعِ يومِ القيامةِ.
العلامةُ الأُولى: «طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغربِها» على خِلافِ العادةِ؛ فالشَّمسُ تَطلُعُ مِنَ المشرقِ، فإنَّها إذا طَلعَت مِنَ المَغربِ لا يُقْبَلُ إيمانُ كافِرٍ، ولا تَوبةُ عاصٍ، ولا عمَلٌ صالحٌ، كما قال تعالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام: 158].
وهذه الآيةُ الكريمةُ تدُلُّ على أنَّ الإيمانَ يَنْفَعُ إذا كان إيمانًا بالغَيْبِ، وكان اختيارًا مِنَ العبدِ، فأمَّا إذا وُجِدَتِ الآياتُ فيَصيرُ الأمْرُ شَهادةً، ولم يَبْقَ للإيمانِ فائدةٌ؛ لأنَّه يُشْبِهُ الإيمانَ الضَّروريَّ، كإيمانِ الغَريقِ والحَريقِ ونَحْوِهما مِمَّن إذا رَأى الموتَ تابَ عمَّا وقَعَ فيه مِن السَّيِّئاتِ.
والعلامةُ الثَّانيةُ: «ظُهورُ الدُّخَانِ» وهو دُخَانٌ يَأخُذُ بأَنْفاسِ الكفَّارِ، ويَأخُذُ المؤمنينَ منه كهَيئةِ الزُّكامِ، وهو مِنَ الآياتِ المُنتظَرةِ الَّتي لم تَأتِ بعدُ، وسيَقَعُ قُربَ يَومِ القِيامةِ، كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11]، حيث تَأْتي السَّماءُ بدُخَانٍ ظاهِرٍ يُغَطِّي النَّاسَ ويَعُمُّهم قبْلَ مَجيءِ الساعةِ ووُقوعِ القيامةِ.
والعلامةُ الثَّالثةُ: «خُروجُ الدَّجَّالِ» مَأخوذٌ مِن الدَّجلِ، وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بَني آدَمَ، يَدَّعي الأُلوهيَّةَ، أَقْدَرَه اللهُ على أشياءَ مِن خَوارِقِ العاداتِ؛ مِن إحياءِ المَيِّتِ الَّذي يَقتُلُه، وظُهورِ زهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْه اللَّذينِ معه، واتِّباعِ كُنُوزِ الأرضِ له، وأَمْرِه السَّماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ، فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدْرَةِ اللهِ تَعالى ومَشيئتِه؛ حِكمةً وابتلاءً منه سُبحانَه للصَّادِقينَ في إيمانِهم والكاذِبينَ، ثُمَّ يُعجِزُه اللهُ تعالَى بعدَ ذلك، ويُبطِلُ أمْرَه، ويَقتُلُه عِيسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويُثبِّتُ اللهُ الَّذين آمَنُوا.
والعلامةُ الرَّابعةُ: «ظُهورُ الدَّابَّةِ» أي: خُروجُها، كما قال اللهُ سُبحانَه: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]، فإنَّه إذا حلَّ الوَعدُ بعَذابِ الكافِرينَ واقتَرَبَت الساعةُ، أخرَجَ اللهُ تعالَى لهُم دابَّةً مِن الأرضِ تُخاطِبُ أولئك الكافِرينَ وتُحدِّثُهم بأنَّ النَّاسَ لا يُؤمِنونَ بآياتِ اللهِ تَعالى إيمانًا تامًّا لا شكٌّ فيه ولا شُبهةٌ. وفي هذا بَيانُ قُدرةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ حيثُ أنطَقَ هذه الدَّابَّةَ لتُكَلِّمَ النَّاسَ بكَلامٍ يَفهَمونَه.
والعلامةُ الخامسةُ: «خاصَّةُ أَحدِكم»، أي: مَجيءُ ما يَخُصُّ كلَّ إنسانٍ مِنَ المَوتِ الَّذي يَمنَعُه منَ العَملِ، أو هيَ ما يَختصُّ به الإنسانُ مِن الشَّواغلِ المُتعلِّقَةِ في نَفسِه ومالِه، وما يهتَمُّ به.
والعلامةُ السَّادسةُ: «أمرُ العامَّةِ»، يَعني: قبْلَ أنْ يَتوجَّهَ إليكم أمرُ العامةِ والرِّياسةِ، فيَشغَلَكم عن صالحِ الأعمالِ، وقيل: هي القِيامةُ؛ لأنَّها تَعُمُّ النَّاسَ جميعًا بالموتِ، يَقولُ: فبادِروا الموتَ والقِيامَةَ بالأَعمالِ الصَّالحةِ.
وقدْ ورَدَ عندَ مُسلمٍ ما يَزيدُ على تلكَ العلاماتِ؛ فعن حُذَيفةَ بنِ أَسيدٍ الغِفارِيِّ رَضيَ اللهُ عنه: اطَّلَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علينا ونَحْنُ نَتَذاكَرُ، فقالَ: ما تَذاكَرونَ؟ قالوا: نَذكُرُ السَّاعةَ، قالَ: إنَّها لنْ تَقومَ حتَّى تَرَوْن قبلَها عشْرَ آياتٍ، فذَكَرَ: الدُّخَانَ، والدَّجَّالَ، والدَّابَّةَ، وطُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغْرِبِها، ونُزولَ عِيسى ابنِ مريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَأجوجَ ومَأجوجَ، وثَلاثةَ خُسوفٍ: خَسْفٌ بالمشرقِ، وخَسْفٌ بالمغربِ، وخَسْفٌ بجزيرةِ العربِ، وآخِرُ ذلكَ نارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ تَطرُدُ النَّاسَ إلى مَحْشَرِهِم».